على هامش المؤتمر السنوي لمنظمة العمل الدولية.. فن النضال المطلبي بين الداخل والخارج

يعد المؤتمر السنوي لمنظمة العمل الدولية من المؤتمرات الدولية المهمة والكبيرة، لتمثيله أهم الطبقات وأكثرها فقراً واضطهاداً وعدداً على وجه الكرة الأرضية، حيث ينعقد في كل من مبنى منظمة الأمم المتحدة، ومقر منظمة العمل الدولية بجنيف، وتستقبله المنظمات العمالية بالكثير من الترقب والتفاؤل، على أمل تحقيقه لأفضل النتائج الممكنة، وقدرته على معالجة الكثير من القضايا والمواضيع المتعلقة بالشأن الاقتصادي، وقضايا العمل والعمال بشكل عام في أنحاء المعمورة.

 هذا المؤتمر ينتج الكثير من التناقضات، كما يجري في مؤتمراتنا واجتماعاتنا المحلية «الملطفة والمحببة»، خاصةً فيما يتعلق بطريقة انتقاء الوفود المشاركة، ومدى استعدادها لنقل هموم العمال ومطالبهم. ومع ذلك فإن نسبة الحضور هذا العام كانت كبيرةً جداً، فقد حضره ما يقارب الألفين وثمانمائة مشارك، من بينهم وزراء، وأمناء عامون لمنظمات أرباب العمل، وقيادات المنظمات العمالية، وممثلي المنظمات الدولية والإنسانية. ولكن ما فائدة كل هذا الحضور إذا ظلَّت هذه المؤتمرات مجرد منصات للخطابة دون أن تتحول إلى مؤتمرات فعالة لبحث أسباب الأزمات الاقتصادية الخانقة التي تجتاح العالم الآن، وتبيان أسس العلاقة بين طرفي الإنتاج: العاملون بأجر ومنظماتهم من جهة، وأرباب العمل وتنظيماتهم النقابية من جهة أخرى، في كل مواقع العمل اليومية، وعلاقة هؤلاء العمال بحكوماتهم وسياساتها في مجال حقوق العمل، ومدى حصولهم على حرياتهم النقابية والديمقراطية الحقيقية، وخاصةً في طريقة التعامل بين قيادات المنظمات النقابية وقواعدها، والاصطفاف الصحيح للقيادات النقابية عند لحظات النضال الحاسمة، أو عند حدوث التجاذبات والتناحرات مع الحكومات في الداخل أو على المستوى الوطني، والصراع بكل أنواعه بين ألإطراف المختلفة الداخلة في نطاق العمل، ومدى قدرتها على لعب دورها النبيل في تجسيد القيم العليا والسامية التي قامت عليها هذه المنظمات النقابية عامة، ومنظمة العمل الدولية خاصة، وذلك بعد محاولة العديد من المنظمات السيطرة عليها، واحتواءها ووضع نفسها وصيةً عليها، لتبدأ معها كما حصل في السنوات الأخير من محاولات لإقصاء الآخر، والتفرد باتخاذ القرار تحت حجج واهية.

ولعل ما قاله أديب ميرو نائب الأمين العام لاتحاد النقابات العالمي عن المؤتمر الأخير يدخل في هذا السياق، حيث قال: «القيمون على المنظمة، والمخططون لطبيعة واتجاهات مسارها وحجم دورها، حاولوا ونجحوا في محاصرتها ضمن عناوين اهتمامات وشعارات قيمية براقة، وبكم هائل من الورقيات والوثائق، وكبلوها بشبكة من التنظيمات والترتيبات الإجرائية، يقودها وينفذها خبراء وموظفون بيروقراطيون من داخلها، ومؤسسات كبيرة ومقتدرة من الخارج، يصنعون خفاء وعلناً مظهراً جميلاً من الهيئات والمناصب التمثيلية».

وبالاعتماد على هذه الأعمال تسعى الليبرالية الجديدة بشراسة لتكريس حقوق الأقوياء ومصالحهم على حساب مصالح الضعفاء، وتنحاز بشكل كامل للنخب والطبقات الارستقراطية على حساب المصالح العامة، وحقوق المواطنين، لتلعب بذلك دوراً مهماً لتهميش دول الجنوب الفقير، بمباركة الدول الصناعية الكبرى.

إن المنظمات والحركات النقابية والعمالية الدولية والعربية مدعوة للعب الدور المنوط بها في الدفاع عن مصالح الطبقة العاملة، وانتزاع استقلاليتها الكاملة عن حكوماتها بنضالاتها، وجعل الإضراب حقاً طبيعياً ومشروعاً لها، محققةً المعادلة الصحيحة، وهي أن النقابات والحكومات لم تكن في يوم من الأيام فريق عمل واحد بوجود هذا الكم من المشاكل العالقة التي لا يمكن حلها، لوقوف هذه الحكومات ذاتها في وجه تحقيق الطبقة العاملة لأهدافها وبرامجها ونضالاتها المطلبية على مستوى الداخل والخارج.

آخر تعديل على الجمعة, 05 آب/أغسطس 2016 12:56