الأول من أيار.. والتحديات العمالية
قد لا تتذكر الطبقة العاملة السورية عبر السنوات والعقود الماضية، مرور أية مناسبة لعيد العمال عليها وكانت أوضاعها بخير، أو على الأقل، على مستوى طموح العمال وأسرهم وحركتهم النقابية
فلطالما كانت هذه الطبقة الكادحة المنتجة آخر من يستفيد من الانفراجات، وأول من يتضرر من الأزمات والنكبات التي طالما تكرر نزولها بالبلاد.. بيد أن المناخات التي تحاصر مناسبة الأول من أيار هذا العام هي الأقسى بلا شك، وليس لها نظير لا من حيث الشكل ولا من حيث المضمون، بحكم أن الظروف التي تشكل خلفية مرورها محلياً وعالمياً مختلفة، ويؤدي تفاعلهما في المحصلة إلى استمرار تدهور أوضاع العمال بصورة متسارعة، ووصول أحوالهم وأحوال المنتجين عموماً، المعيشية والنفسية والحقوقية إلى مستويات من البؤس والتردي ليس لها سابق أو مثيل..
فعلى الصعيد الداخلي، تمر المناسبة تحت الظلال الثقيلة للحكومة المتفاخرة بتخليها عن دورها الرعائي الذي لم يستفد العمال تاريخياً إلا من بعض مزاياه، وانغماسها عبر فريقها الاقتصادي بالسياسات الليبرالية التي أثمرت بطالة وفقراً وغلاءً وقرارات ومشاريع قرارات وتوجهات تحابي أرباب العمل وأصحاب رؤوس الأموال، وتلحق ضرراً فادحاً وخطيراً بالطبقة العاملة وبمواقع عملها، يأتي على رأسها مشروع تعديل قانون العمل، ومشروع تعديل قانون التأمينات الاجتماعية، وتثبيت الأجور المتزامن مع تحرير الأسعار والتجارة والأسواق، وإجراءات الخصخصة بأشكالها ومسمياتها المختلفة، ومحاولة تحرير سعر صرف الليرة، والتراخي في إطلاق عملية الإصلاح الإداري، وإهمال مشروع تطوير القطاع العام الصناعي.. وتوقف الاستثمار الحكومي بصورة شبه تامة والامتناع عن فتح جبهات عمل جديدة وتراجع الإنفاق.. وترافق كل ذلك مع التضييق على الاتحاد العام لنقابات العمال، والتعامي عن مطالبه وتوصيات مؤتمراته المركزية والفرعية، ومحاولة إقصاء ممثليه في اللجان الوزارية عن المشاركة في اتخاذ القرارات.. إن هذه التوجهات والقرارات المباركة من المؤسسات الدولية والشركاء الكبار، وبغض النظر عن الشعارات التي تتوارى خلفها، صبت جميعها في خانة إفقار العمال أكثر فأكثر، خاصة مع تفاقم الفساد وتمركزه، وعززت قلقهم وتعاظم مخاوفهم على مستقبلهم، الأمر الذي سرعان ما انعكس سلباً على معيشة أسرهم وتعليم أبنائهم وصحتهم..
أما على الصعيد الدولي، فإن بدء تفجر الأزمة الاقتصادية، ربما النهائية، للرأسمالية العالمية، وتداعياته على العالم بأسره، وانتقال حُمّاه إلى بعض المواقع والفعاليات الاقتصادية في بلدنا، جعل الفريق الاقتصادي في الحكومة يتخذ منه شمّاعة لتعليق فشله عليه للتهرب من المحاسبة والمساءلة (فيما لو حدثت)، وذريعةً لاتخاذ جملة جديدة من الإجراءات والقرارات التي تؤدي في المحصلة إلى مزيد من التردي في أوضاع الطبقة العاملة، وقوة العمل المهمشة الباحثة عما قد يسد رمقها، وها قد بدأ يتردد هنا وهناك عن احتمالات موجة تسريحات في صفوف العمال، خصوصاً بعد إعلان الحكومة عن قرارها بإغلاق 14 شركة صناعية خاسرة بحجة الهدر الذي تسببت فيه لميزانية الدولة، وتحويلها إلى وزارة السياحة، لطرح مواقعها للاستثمار في القطاع السياحي..
وهكذا، يمر عيد العمال على الطبقة العاملة السورية، وهي في هذا الإطار حالها يشابه حال الطبقة العاملة في معظم أرجاء الجنوب الفقير، وقد اتحد ضدها، وتكامل، الظرف الداخلي الممثل بالسياسات الحكومية، مع الظرف الخارجي الذي يعنونه سعي الرأسمال العالمي المعولم، العسكري الطابع غالباً، للخروج من أزمته المستعصية عبر نهب الأمم الصغيرة والضعيفة أكثر فأكثر حتى لو اقتضى الأمر إنزال القوات فيها، لتكون النتيجة المزيد من التهاون والاستخفاف بإرادة الشرائح المنتجة عموماً والعمال على وجه الخصوص، مما يتطلب البدء جدياً بخلق آليات حقيقية لمواجهة هذه الهجمة ذات الرأسين، وهذه ليست مهمة الطبقة العاملة وتنظيمها النقابي فحسب، وإنما هي مهمة كل الشرفاء في جهاز الدولة وخارجه، ومهمة القوى النظيفة في المجتمع بفعالياتها المتنوعة.. وإلا، فإن الأمور ماضية نحو أخطار عظيمة ومريعة جداً.. سياسياً واقتصادياً واجتماعياً..