بصراحة: المجالس النقابية بين الممكن والضرورة؟!
تملك مجالس الاتحادات النقابية بما فيها مجلس الاتحاد العام وهي أعلى هيئات قيادية نقابية سلطة اتخاذ القرارات، والمصادقة على ما تتخذه المكاتب التنفيذية للاتحادات بين اجتماعين، وهي مسؤولة مباشرة أمام المؤتمرات التي تعقدها النقابات بشكل سنوي، أو استثنائي أن اقتضت الضرورة وفقاً لقانون التنظيم النقابي /84/، أيضاً مسؤولة أمام العمال، إن كانت تلك القرارات أو التوجهات متوافقة مع مصالحهم،أو غير متوافقة، ويعود تقيم ذلك للنتائج التي ستنعكس على مصالح الطبقة العاملة المادية والحقوقية.
والملاحظ في اجتماعات المجالس بما فيها مجلس الاتحاد العام إن يطرح أعضاؤها الكثير من القضايا العمالية الهامة (الأجور، الحوافز الإنتاجية، الصحة والسلامة المهنية، علاقات العمل، العمال المؤقتين، العمال الفائضين، واقع شركات القطاع العام، وغيرها حيث تطول القائمة، ولكن الملاحظ أيضاً أن جميع هذه القضايا المطروحة على أهميتها يجري تدويرها من اجتماع لآخر، ومن مؤتمر لمؤتمر دون أن تصل تلك الاجتماعات لحلول حقيقية تنعكس إيجابياً على مستوى معيشة العمال وعلى تحسين علاقات العمل في مكان العمل، والأدلة على ذلك كثيرة ويمكن استنتاجها من محاضر الاجتماعات والمؤتمرات، وما يتداوله النقابيون قبل بدء الاجتماعات وبعدها، وكذلك مما يطرحه العمال، وما يبدونه من تذكر متواصل بسبب تردي أوضاعهم المعيشية، ومن مستوى أجورهم غير المتناسبة مع ارتفاع الأسعار المتصاعد، وأيضاً من الضغوط التي يتعرض لها العمال داخل المعامل بسبب حرمانهم من الحوافز الإنتاجية وللكثير من التعويضات الأخرى التي تشكل جزءاًً هاماً من أجورهم التي يفتقدها الكثير من العمال في العديد من الشركات التي تصنفها الحكومة بأنها «خاسرة»، حيث يؤجل دفع الأجور لشهرين وربما لأكثر حتى (تتكرم) عليهم مؤسساتهم الصناعية أو وزارة المالية وتدفع لهم جزءاً من تلك الأجور.
والسؤال الملح طرحه: (هل عقدة النجار التي تعيق تحقيق المطالب العمالية والدفاع عن القطاع العام الصناعي ودوره التنموي في النقابات ودروها أم في مكان آخر)؟
في اجتماع مجلس اتحاد عمال دمشق الأخير جرى الحديث عن ضرورة (تطوير الأداء التنظيمي في العمل النقابي وتجاوز الترهل الموجود في بعض مفاصله، والخروج من النمطية في العمل النقابي وتفعيل العمل الميداني لتذليل جميع الصعوبات والمعيقات).إذاً واقع العمل النقابي كما يصرح المسؤولون عنه جزء من المشكلة، وهذا الجزء له عقدة مباشرة بآليات العمل النقابي، وتركيب الهيئات القيادية النقابية وجذورها إن كانت أتيه من مواقع عمالية على خطوط الإنتاج أم من مواقع إدارية، وهل هذه القيادات تمثل أحزابها في النقابات أم تمثل العمال في النقابات؟
لقد جرت تبديلات كثيرة في الواقع اقتصادية واجتماعية، وتغير الكثير من الشعارات والتوجهات، وهذا يستدعي أيضاً من الحركة النقابية أن تغير خطابها وأشكال نضالها وفقاً لهذا المتغيرات، فالقطاع الخاص أصبح سائداً في الاقتصاد الوطني، وعدد عماله هم الأغلبية في الطبقة العاملة مما يستدعي أيضاً تغيراً في تمثيلهم ضمن الهيئات القاعدية والقيادية لأن (أهل مكة أدرى بشعابها)، وكذلك الحكومة لم تعد كما في السابق، فقد تخلت عن دورها الاقتصادي والاجتماعي، وأصبح نهجها الليبرالي هو الذي يحكم قراراتها وتوجيهاتها الاقتصادية، وبالتالي هذا يضع الحركة النقابية في أتون المعركة مما يتطلب إعادة النظر بأشكال العمل النقابي الحالي وانتهاج أشكال أخرى بما فيها حق الإضراب للطبقة العاملة، حيث مازالت الحركة النقابية ترفضه، وتعتبره شكلاً غير مشروع في النضال دفاعاً عن المطالب والحقوق العمالية، والاقتصار على الأشكال والأنماط التقليدية المكتبية المتاحة في العمال النقابي مع العلم أن هذا الشكل من العمل وحده لا يمكن أن يحصل الحقوق العمالية، وهذا ما تؤكده تجربة الطبقة العاملة السورية منذ نشأتها الأولى.
إن استمرار العمل وفقاً لما هو سائد الآن فقط يدفع الطبقة العاملة السورية إلى تجاوزه كما حدث في بعض الشركات الإنشائية حيث قام عمالها بعدة إضرابات من أجل أجورهم المتأخرة، وأيضاً كما يحدث الآن في بعض معامل القطاع الخاص من إضرابات طلباً لزيادة الأجور وتخفيض لساعات العمل التي يحاول العديد من أرباب العمل زيادتها دون وجه حق.
أن رؤية ما هو حاصل من تغيير في سلوك الطبقة العاملة ولو كان طفيفاً الآن من الحركة النقابية تعني بداية خلاصها من ذاك الترهل في مفاصل عملها النقابي والانتقال إلى دور أكثر فاعلية لهيئاتها القاعدية والقيادية في قيادة النضال العمالي.