بصراحة المؤتمرات النقابية.. والخروج من عنق الزجاجة!!
التحضيرات الآن على قدم وساق من أجل عقد المؤتمرات النقابية السنوية، حيث تقدم النقابات تقاريرها عما أنجزته، وما سوف تقوم به لاحقاً. وبمتابعة مسيرة عقد المؤتمرات النقابية نجد أن الكثير من المطالب العمالية يتم تأجيلها من عام لآخر، وأهمها تثبيت العمال المؤقتين، وزيادة أجور العمال التي هي بيت القصيد في النضال من أجل تحسين الوضع المعيشي للعمال الذي يتردى عاماً بعد عام، بل يوماً بعد يوم نتيجة السياسات الاقتصادية المبرمجة التي تتبعها الحكومة تحت عنوان (التطوير والتحديث، الانفتاح والاستثمار... الخ) ، وكانت نتيجتها خسارة القطاع العام لأهم مواقعه الإنتاجية والاقتصادية، وذلك بإغلاق الشركات، وتوزيع عمالها، وإعطائها للمستثمرين؛ مثل الموانئ، شركات الإسمنت، والآن محطة الناصرية لتوليد الطاقة... والحبل على الجرار.
إذاً القطاع العام يتآكل تحت ضربات الحكومة، وفريقها الاقتصادي، وغير الاقتصادي، وبالتالي سيكون الخاسر الأساسي من هذه الإجراءات الطبقة العاملة السورية وحركتها النقابية، لأن النقابات عبر عدة عقود، وإلى الآن تستند بشكل أساسي على عمال القطاع العام من حيث التنسيب والعضوية، ومصادر التمويل، أما عمال القطاع الخاص فليسوا في متناول النقابات كما يجب أن يكون، بل هناك حرب غير معلنة على النقابات لمنعها من تنظيم عمال القطاع الخاص، وما تقوم به الحركة النقابية لكسر الطوق المضروب حول جهودها ليس مجدياً تماماً، وهذا يستدعي إعادة النظر بالطرق المتبعة لجذب هؤلاء العمال، وهو الواجب الأساسي الذي يجب على التقارير النقابية ذات الصلة بالمواقع العمالية التصدي له، وهي أصلاً لن تستطيع تقديم إجابات كافية طالما لم تقنع العمال في تلك المواقع بأنها تدافع عن حقوقهم ومكاسبهم، والقناعة تأتي من خلال الممارسة، أي التصدي الحازم لكل أشكال النهب التي يتعرض لها العمال في مواقعهم الإنتاجية من أرباب العمل، سواء كانوا الحكومة أو القطاع الخاص.
لقد صعَّد بعض القادة النقابيين اللهجة في لقاءات عدة معهم، وفي اجتماع مجلس الاتحاد العام، مهددين باستخدام حق الإضراب بمواجهة الإجراءات المتبعة من الحكومة، وهذا التصعيد لم يأت من المزاج الخاص لهؤلاء القادة، بل هو انعكاس لما تعانيه الحركة النقابية، والموقف الحرج الذي أصابها ويصيبها عند أي لقاء مع العمال، حيث ينطبق عليها المثل الشعبي: «العين بصيرة واليد قصيره».
وللخروج من عنق الزجاجة كما يقال لابد من العودة إلى الجذور، بعد أن جربت الحركة النقابية الرهان على مبدأ الشراكة مع شركاء لا يمكن الركون إليهم إلى ما لا نهاية، لأن هذه الشراكة واستمرارها مرهونة بعوامل عدة سياسية واقتصادية، وهذه العوامل أصبحت متبدلة، والمصالح متبدلة أيضاً، والبديل لذلك هو العودة إلى القواعد العمالية لاكتساب العزيمة، والقوة، وروح التضحية، وهذا يتم بإعادة الاعتبار للجمعية العامة للعمال في موقع العمل، بأن تكون هي المرجع للحركة النقابية في مواقعها باعتبارها أدرى بمصالحها بهذا الموقع أو ذاك، وهي الأقدر بالدفاع عنها، وبهذا تكون الحركة النقابية قد كسبت الطبقة العاملة إلى جانبها كقوة فاعلة يمكن الاستناد إليها في الدفاع عن الاقتصاد الوطني وحمايته من المفرطين به.
إنها طريق صعبه وشاقة وتحتاج إلى تضحيات، ولكنها مضمونة النتائج، لكي يبقى الوطن صامداً، والاقتصاد معافى تنعكس خياراته على أبنائه الحقيقيين الذين جبلوا ترابه بدمائهم وعرقهم، مهما يحاول البعض الآن التنكر لكل ما قدمه العمال من تضحيات في كل الأوقات، وخاصة في المواجهات مع المباشرة مع العدو الصهيوني.
إن المؤتمرات النقابية القادمة هي محطات هامة لكي تقول الحركة النقابية للطبقة العاملة الواقع كما هو دون مساحيق تجميلية، ولكي يساهم العمال مباشرة في تقرير سياسات الحركة النقابية، ابتداءً من اللجنة النقابية، وصولاً إلى أعلى هيئة قيادية، دون وصاية من أحد.
الظروف معقدة، والمهام جسيمة، فهل نبادر للخروج من عنق الزجاجة قبل فوات الأوان؟!