العمالة السورية المهاجرة في تصالب النيران؟
الهجرة بالمعنى العام ليست حالة طارئة على الشعب السوري فهناك أنواع من الهجرة التي خبرها السوريون خلال العقود الفائتة أدت إلى تغيير حقيقي في نمط معيشتهم، ونقصد هنا انتقال أعداد كبيرة من العاملين في الزراعة ضمن حيازاتهم الصغيرة، التي كانت لا تكفي لتأمين متطلباتهم الأساسية بالرغم من قلتها ضمن المجتمع الريفي، ولهذا اضطرت أعداد كبيرة للهجرة من الريف إلى المدينة بحثاً عن فرص عمل قد تجدها في المدينة، حيث تركزت الهجرة إلى مراكز المدن الكبرى التي فيها فرص العمل بسبب تمركز المشاريع والاستثمارات المحلية والوافدة التي تحتاج إلى عمالة كثيفة وخاصةً للعمل في البنية التحتية.
النوع الآخر من الهجرة القسرية الذي سببته السياسات الاقتصادية الليبرالية من خلال رفعها لأسعار المشتقات النفطية وخاصةً مادة المازوت التي كان لها دور مهم في هجرة أعداد كبيرة من العائلات تاركين أرضهم للبحث عن فرص عمل أخرى في المدن الرئيسية، حيث ملأوا ساحات المدن ينتظرون ما قد تجود عليهم السماء من رزق كما يقولون، ولكن السماء لا تمطر رزقاً، وانضم هؤلاء إلى جيش العاطلين عن العمل ليراكموا لاحقاً كميات مضافة من الحطب الذي أشعل الأزمة الوطنية، حيث كانوا مع العاطلين والمهمشين الآخرين ذلك الوقود الضروري الموزع بين جانبي المتراس، كيما تستمر الحرب الهمجية بأشكالها البشعة كلها وتحرق الأخضر واليابس.
الهجرة بسبب الأزمة
تعرض الشعب السوري خلال الأزمة لأكبر عملية نزوح في تاريخه المعاصر حيث بلغ عدد المهجرين والنازحين من ديارهم ما يقارب الخمسة ملايين نازح أو مهجر توزعوا في أركان الأرض الواسعة ولكن تمركزهم الأساسي كان في دول الجوار ( لبنان – الأردن – تركيا ) وبهذا النزوح يكون الشعب السوري قد خسر قواه الحية الأساسية المنتجة، حيث تركزت الهجرة بين الشباب، وهم المؤهلون علمياً ومهنياً ولديهم خبرات متراكمة في معظم المهن والصناعات، بالإضافة للكم الكبير من المهندسين والأطباء والكوادر العلمية التي دفع الشعب السوري الكثير من مقدراته حتى تكونت، لتذهب جاهزة للاستثمار في دول النزوح المختلفة وتستفيد منها وخاصةً في بلدان أوروبا العجوز حيث تقول إحدى الدراسات عن العمالة المهاجرة: أنها تؤدي إلى زيادة قوة العمل للبلد المهاجر إليه وتؤدي إلى زيادة في الطاقة الإنتاجية للاقتصاد وزيادة في الاستهلاك وكذلك إلى مرونة في سوق العمل حيث يرغب معظم المهاجرين للعمل في القطاعات التي لا يعمل بها أصحاب البلد، وهذا ينطبق على العمالة السورية المهاجرة التي سنعرض لبعضها.
العمال السوريون في الأردن
في دراسة نشرتها منظمة العمل الدولية عن العمالة السورية في السوق الأردنية أوضحت فيها أن 10% من العاملين السوريين حصلوا على رخص عمل رسمية، والحصول على رخصة عمل ليس بالأمر السهل، بسبب التكاليف الباهضة التي يتحملها العامل السوري، والتي تبلغ أكثر من ضعف أجره الذي يتقاضاه العامل، وهو أقل من الحد الأدنى للأجور للعمال الأردنيين الذي يبلغ 400 دينار أردني أي ما يقارب 560 دولار أمريكي.
الحكومة الأردنية تلاحق العمال السوريين غير الحائزين على تصاريح عمل وتعيدهم إلى مخيمات اللجوء حيث لا يوجد عمل لتستمر مأساتهم.
99% من العمال السوريين في الأردن يعملون في قطاع العمل غير المنظم كما أوردت دراسة منظمة العمل الدولية منهم 40% يعملون في قطاع البناء و23% يعمل في قطاعات آخرى، مثل: التجزئة والتجارة الحرة والمطاعم.
الحكومة الأردنية تتخذ تدابير مشددة تجاه العمالة السورية، وتفرض غرامات على أصحاب الأعمال في حال تشغيلهم سوريين دون تصاريح عمل، وهي تتشدد أيضاً في عدم إعطاء اللاجئين كفالات لهم من أجل الخروج من مخيمات اللجوء للعمل.
العمالة السورية في تركيا
يبدو أن واقع العمالة السورية في تركيا أكثر تعقيداً من غيرها بسبب الظروف الخاصة المحيطة بظروف الحرب الدائرة بالقرب من الحدود التركية السورية، حيث تعرض سكان تلك المناطق لعمليات نزوح متكررة بسبب الحرب الشرسة الدائرة، والتي تغذيها الأطراف الإقليمية والدولية بما فيها النظام التركي، الذين لهم مصلحة في استمرار الحرب وعدم الوصول إلى حل سياسي يتفق عليه السوريون، ويؤمن مصلحة السوريين أرضاً وشعباً، حيث لم تقتصر عملية النزوح إلى تركيا من المناطق الحدودية بل تعداه إلى المناطق الداخلية، وهذا ما وسع ظاهرة النزوح وعقّد مشاكلهم وخاصةً قضية العمل.
الاتفاقية الدولية لحماية حقوق العمال الوافدين وأسرهم تدعو الاتفاقية إلى المساواة في الحقوق بين العمال الوافدين والمواطنين، حتى في الحالات التي لا تكون فيها لدى الموظفين تصاريح عمل أو عقد مكتوب.
استناداً للاتفاقية الدولية، من المفترض عدم تعرض العمال السوريين لتلك الممارسات التي تقوم حكومات الدول، بما فيها الملاحقة لتصاريح العمل التي تكلف العامل، إن كان لديه وثيقة سفر ما بين ال700 – 1000 دولار، ولكن يبدو أن هناك اتفاق ضمني أو معلن بين الدول المستقبلة للنازحين على اضطهاد العمالة السورية، ووضعها ضمن ظروف عمل قاسية تحت حجة القانون، مما يعني أن أرباب العمل المشغلين لهذه العمالة سيزيدون من استغلالهم لهؤلاء العمال، وهذا ما هو جار في تركيا للعمال السوريين حيث أجورهم تبلغ نصف أجور العمال الأتراك التي حدها الأدنى 412 دولار أمريكي، والعامل السوري لا ضمانات وحقوق له، ويمكن تسريحه في آية لحظة، ويرمى به في عرض الشارع، أو يعمل ضمن شروط رب العمل القاسية دون حقوق تذكر، والعامل السوري بهذه الحالة لا خيارات أمامه سوى الرضوخ للشروط من أجل تأمين استمراره بالعيش حتى لا يموت جوعاً.
العمالة السورية في لبنان
العمالة السورية في لبنان ليست طارئة مع الأزمة، بل كانت قبل الأزمة وتعززت أكثر مع النزوح، وهي تتعرض في لبنان للمشاكل نفسها التي تم ذكرها في تركيا أو الأردن، من حيث اللعب على وتر المنافسة للعمالة اللبنانية، أو تصاريح العمل، مع أن العمالة السورية في الأماكن السابقة كلها يعملون في الأعمال التي لا تحبذها العمالة في تلك البلدان، وهو العمل الأسود في المقاييس كلها ومع هذا يجري التضييق على العمالة السورية في أجورها وفي أمانها وفي حقوقها.
هل يمكن حماية حقوق العمال السوريين في الخارج؟
يبدو أن طرح هذا السؤال سيثير استغراب البعض، ليقول بسؤال آخر: هل يمكن حماية حقوق العمال السوريين في سورية؟
إن الموقف من حقوق ومصالح الطبقة العاملة السورية لا يمكن تجزئته وفصله بين الخارج والداخل، لأن ما يتعرض له العمال مشترك مع اختلاف شروط الاستغلال وطرقه، ففي الداخل هناك نقابات تتحمل مسؤولية الدفاع عن حقوق العمال، وهذا يرتب عليها إيجاد الأدوات والموقف الكفيل بالدفاع عن العمال، وجزء من الأدوات والمواقف، إيجاد الصلات المختلفة مع النقابات الصديقة للشعب السوري، وخاصةً النقابات اليسارية والأحزاب التي لها نفوذ بين صفوف العمال في بلدانها، وهذا ممكن مع التغيّر الجاري في ميزان القوى وانفتاح الأفق أمام الجماهير، ومنها الطبقة العاملة في عودتها إلى الشارع مع اشتداد الأزمة الرأسمالية، وهجومها على مصالح الطبقة العاملة، حيث نلاحظ ذلك في أماكن كثيرة من العالم وخاصةً في أوروبا.
إذاً الإمكانية وشروط الدفاع عن العمال السوريين متوفرة، وما على النقابات سوى التحرك والمبادرة لتفك عن الطبقة العاملة تصالب النيران عليها، ومن حولها.