نهب القوى المنتجة وتحطيمها

نهب القوى المنتجة وتحطيمها

أفضت السياسات الليبرالية التي كانت إحدى مسببات الآزمة في سورية إلى ضرب القوى المنتجة بشكل خاص مما أدى إلى خلق جيش من المتعطلين عن العمل والذين كانوا وقوداً لهذا الانفجار، واليوم وفي خضم الأزمة وما أنتجته من كوارث على الشعب السوري ما زالت القوى العاملة هي المتضرر الرئيسي من ما يجري في البلاد كله.

 

 مازالت شظايا السياسات الاقتصادية تدفع القوى المنتجة أكثر وأكثر إلى جحيم البطالة والعوز، أضف إلى ذلك الأعداد الكبيرة للأيدي العاملة التي فرت من البلاد بسبب تردي الوضع المعيشي واستحالة تأمين عمل يؤمن لهم سبل حياتهم، مما سبب نزيفاً حاداً للأيدي الماهرة والخبيرة جراء تسرب أصحاب الخبرات إلى دول اللجوء، ولا تنحصر مهنهم بشيء واحد ففي جولة سريعة بالمعامل والأسواق وفي التجمعات الحرفية كثيراً ما تسمع بأن أصحاب الخبرات قد فروا إلى الخارج، وأخذوا معهم كل  ما كانت سورية تمتلكه من خبرات، ففي دول الجوار مثلاً: تجد العامل السوري في المعامل والورش يعمل بأجور بخسة لقاء أعمال هي من حيث الجودة تحتاج إلى خبرات ولا يتقنها غيره.

حرفيو تصليح السيارات

يعمل في دول الجوار وبالأخص لبنان عدد كبير من حرفيي ورش تصليح السيارات والورش الصناعية المرتبطة بالسيارات والمعدات وعلى سبيل المثال «الطورنجية» وهؤلاء الذين كانوا يتفاخرون في التجمعات الصناعية بإتقانهم لمهنهم وبإنتاجهم الدقيق للقطع الصناعية، والتي تتطلب معدات ضخمه وخبرات معامل كبيرة لإنتاجها، مثلا كان يوجد في «كراج النخيل بريف دمشق» العديد من حرفيي «الطورنه» الذين كان التجمع الصناعي كله يعتمد عليهم، واليوم أغلبهم غير موجود فمنهم من أغلق ورشته قسراً بسبب الحرب أو بسبب تراجع الطلب على منتجاتهم، أضف إلى ذلك حرفيو الحدادة الذين كانوا أيضاً يعملون في التجمع نفسه والذين كانوا قادرين على إعادة صناعة سيارة شحن فقط من القطع الأساسية كـ «الشاسيه» والكبين وغيرها، ومنهم من كان يستطيع إعادة صناعة باص بولمان فقط من «الشاسيه»، وهؤلاء الحرفيون كانت ترتبط بهم حرف ثانية مهمة كـ «الكهربجية» وبائعو الخردوات والعدد الصناعية وحرفيو تصليح المحركات والعديد من الحرف، في يوم ما كانت هذه التجمعات الصناعية ما أن تدخل إليها حتى تشعر بأنك داخل عش نحل، الكل يعمل،  والكل ينتج، وهم اليوم خارج العملية الإنتاجية. 

عمال النسيج والخياطة

أما عمال  النسيج والخياطة فهم اليوم يعملون في المعامل الكبرى بتركيا  أيضاً وبأجور بخسه مقارنةً بأجر العامل التركي وقد قاموا هناك بتحركات عمالية كـ الإضراب لتحصيل أجر أعلى، ولكن على كل حال فالصناعة بسورية قد خسرت مهارتهم بالعمل لتكسب تركيا هذه الخبرات، وهم يشكلون اليوم في المعامل التركية العدد الأكبر من العاملين، وفي يومٍ ما كان هؤلاء العمال نفسهم يمتلكون ورش صغيرة لصناعة الألبسة وقد أودت السياسات الاقتصادية بورشهم ورمتهم ليصبحوا معطلين عن العمل أو  أجراء.

حرفيو صناعة الموبيليا 

كان هؤلاء الحرفيون يشكلون قسماً كبيراً من القوى المنتجة بسورية ويعمل في تجمعاتهم الحرفية المئات من أصحاب الورش والصناع وهم اليوم بأغلبهم معطلين عن العمل داخل سورية إلا من استطاع افتتاح ورشة صغيرة، واليوم تستفيد دول الخليج وتركيا من مهارتهم في صناعة الموبيليا فمن كان منهم بالأمس صاحب ورشة أو صانعاً فهو اليوم عامل في إحدى المعامل بهذه الدول.

لا نستطيع في مقال واحد جمع الحرف التي تضررت كلها نتيجة السياسات الاقتصادية والحرب في البلاد ولكن نستطيع أن نقول بأن السياسات الاقتصادية التي طبقت في السنوات التي سبقت انفجار الأزمة، والآزمة بحد ذاتها قد أودت بالقوى المنتجة بشكل خاص، واليوم سورية هي بحاجة لهذه الخبرات وبأمس الحاجة إلى عودتها، ولأجل انقاذ المهن المهددة أو ما تبقى منها ويصبح الحل السياسي معبراً عن مصالح هؤلاء المنتجين.