وزارة العمل تدين العمال على اضرابهم!
عادل ياسين عادل ياسين

وزارة العمل تدين العمال على اضرابهم!

من المفروض أن تكون القوانين الصادرة معبرة عن مصالح الأطراف التي لها علاقة بهذا القانون، ولكن التجربة مع قوانين العمل في البلاد، التي تسود فيها علاقات الإنتاج الرأسمالية، تكون قوانين العمل معبرة إلى حد بعيد عن مصالح الطبقة الرأسمالية المهيمنة اقتصادياً، وهذا يُعبر عنه بموازين القوى التي من خلالها يجري فرض تلك القوانين.

 ومثال على ذلك: قانون العمل رقم 17 لعام 2010 الذي صدر في ظل سيادة السياسات الاقتصادية الليبرالية، سياسة الانفتاح الكامل على قوى الرأسمال، بما فيها القوانين التي كانت أكثر أشكال التعبير عن مصالح تلك القوى، والتي كان لها أثار كارثية على حقوق ومصالح عمال القطاع الخاص، من خلال ما تم فرضه بهذا القانون من مواد جائرة جعلت أرباب العمل أكثر استبداداً تجاه حقوق العمال، بما فيه حقهم بالعمل المكفول دستورياً والمنتهك بحكم القانون.

لقد كان القانون وما زال سيفاً مسلطاً على حق العمال في العمل، من خلال المادتين  الأساسيتين اللتين كانتا القاعدة التي استند إليهما أرباب العمل في تسريح عشرات الألوف من العمال، خلال الأزمة وما قبلها، باعتراف نقابات العمال ومؤسسة التأمينات الاجتماعية، مما فاقم من مأساة العمال المترافقة مع الظروف الكارثية التي حلت بهم بسبب التهجير القسري من بيوتهم، ليأتي تسريحهم من العمل ويزيد البلة طيناً.

عقدت عام 2014 في الشهر السابع اجتماعات متوالية لنقاش بعض التعديلات على مواد قانون العمل، شملت الاقتراحات سبع مواد بما فيها المادتين 64، 65، وتم التوافق على إبقاء المادين المذكورتين على حالهما تحت إصرار أرباب العمل وعدم قدرة النقابات على فرض تغييرهما، وانحياز ممثلي الحكومة لأرباب العمل، وإصرار أرباب العمل على أن يكون التعديل بما يتوافق مع قانون الاستثمار وشبيهاً به.

لماذا العودة إلى قانون العمل؟

من الواضح للجميع أن عدم تشميل قانون العمل بمادة تنص على حق الإضراب للعمال مرده إلى الوزن الحقيقي الذي تمثله قوى رأس المال في التأثير على صناعة القرار المعبر عن مصالحها، وهذا خلل في ميزان القوى بين قوة العمل «العمال» ومن يمثلهم من جهة، وبين قوة رأس المال ومن يمثله، وهذا الخلل لن يعدل إذا ما بقي حق العمال بالدفاع عن مصالحهم وحقوقهم مغيباً، وفرض حق الإضراب هو جزء أساسي من معركة الحقوق الديمقراطية والنقابية للطبقة العاملة، ليس لعمال القطاع الخاص فقط بل يتضمن عمال القطاع العام المحرومين من هذا الحق للظروف نفسها، بالإضافة إلى أن النقابات لم تتبنّ هذا الحق إلى هذه اللحظة، وهذا جزء أساسي من الخلل الواقع في موازين القوى بين قوة العمل ورأس المال، ولنطرح بضوء ما ذكرنا مثالاً قريباً يوضح العلاقة بين قانون العمل والعمال، وموقف أطراف العمل المختلفة، ما جرى لعمال شركة زنوبيا عندما نفذوا إضرابات متتالية من أجل زيادة أجورهم وتعويضاتهم.

أولاً: هذه الشركة كغيرها من شركات القطاع الخاص لم تكن يوجد بها لجنة نقابية، وبادر العمال وتقدموا بانتساباتهم لمكتب النقابة طالبين ضمهم للتنظيم النقابي، وفقاً لقانون التنظيم النقابي رقم 84، وصدر قرار الضم أخيراً، وهذا إنجاز يحسب للعمال ويعبر عن وعي متقدم لديهم بضرورة أن يكونوا جزءاً من الحركة النقابية.

ثانياً: قام العمال كما ذكرنا بعدة إضرابات طالبوا فيها بزيادة أجورهم، ونجحوا بذلك، وعكست الإضرابات تلك قدرة العمال على التفاوض أثناء الإضراب، وحرصهم على المعمل مصدر رزقهم من أية أساءة للآلات أو خلافه.

ثالثاً: رب العمل تقدم بشكوى إلى شرطة الكسوة لتقوم بإجراء ما في مواجهة العمال، ولكن ذلك لم يحدث ذلك.

رابعاً: تقدم رب العمل بشكوى أخرى إلى مديرية عمل الريف رقم الكتاب 190/ص تاريخ 21/5/2016 والمسجل لدى المديرية برقم /3226/ مطالباً المديرية بتقديم رأيها حول ما قام به العمال من إضراب كامل عن العمل دون وجه حق، كما عبر كتاب رب العمل للمديرية.

خامساً: مديرية العمل شكلت لجنة تفتيشية اطلعت عليها وزارة العمل، وقد أكدت اللجنة التفتيشية، التي استنكر عملها العمال، طالبة من العمال الالتزام بأحكام قانون العمل وعدم تعطيل العمل وسلوك الطرق المقبولة قانوناً للمطالبة بأية مزايا إضافية، ونوهت المذكرة على أحقية رب العمل بتطبيق أحكام المادتين 64، 65 ولا سيما البندين ( 2.5) من الفقرة (أ) من المادة 64 .

على أساس ما تقدم يمكن القول أن قانون العمل رقم 17، الذي يخضع له عمال القطاع الخاص، لا بد من إعادة النظر بمواده الأساسية وفقاً للدستور السوري، المفترض على أساسه إعادة النظر بمجمل القوانين لتتوافق مع الدستور، وقانون العمل هو جزء من هذا الإجراء، حيث تنص المادة «44» للمواطنين حق الاجتماع والتظاهر سلمياً والإضراب عن العمل في إطار مبادئ الدستور، وينظم القانون ممارسة هذه الحقوق. ومن هذه القاعدة الدستورية تتبين المخالفة الواضحة للدستور، وعدم صحة موقف وزارة العمل ومديريتها، التي انحازت لصالح رب العمل في مواجهة حقوق العمال ومنها الحق بالإضراب وهو الدستوري والقانوني، بالرغم من عدم تضمين هذا الحق بقانون العمل، وهنا تكمن مسؤولية الحركة النقابية تجاه مواجهة سلوك وموقف وزارة العمل، خاصةً وأن اللجنة التفتيشية التي ذهبت إلى المعمل لم تكن بحضور مندوب عن النقابات يمكن له أن يكون مدافعاً عن حق العمال ومشروعية إضرابهم من أجل زيادة أجورهم وتحسين مستوى معيشتهم.