الإعلام النقابي الحاضر الغائب
يحلو للبعض أن يصور النجاح الواسع الذي حققه الفضاء الالكتروني «النت والفيس بوك» في الصلة مع الحركة الجماهيرية أو قطاعات مهمة منها وتعبئتها، بأنه بديل للإطار التنظيمي «الأحزاب»، وأنها يمكن أن تلعب الدور الذي كانت تلعبه تلك الأحزاب بصلتها المباشرة مع الحركة الجماهيرية، وخاصة الطبقة العاملة، وهذه الفكرة التي يحاول الكثيرون الترويج لها، في ظل التجارب الناجحة التي تم استخدامها في الدعوة للإضرابات عبر «الفيس بوك»، لا يمكن أن تكون كما يراد لها بأنها «بديل»، بل هي إحدى الأدوات الهامة التي يمكن استخدامها من أجل إيصال ما يراد إيصاله.
لقد اصبح التطور الهائل في وسائل الاتصالات الحديثة عنصراً هاماً من عناصر نقل الوعي إلى الطبقة العاملة من خارجها، حيث كان المنشور والبيان والجريدة هي الأدوات الأساسية في السابق لإيصال الرأي والموقف الذي يُطرَح، وهذه الأدوات مازالت تحتفظ بأهميتها ودورها الذي كانت تلعبه، فالأمر الذي تغير هو فقط سرعة إيصالها إلى الجمهور الواسع عبر الوسائط الحديثة المستخدمة، وهذا ما يجب الاستفادة منه واستخدامه بالطريقة التي تجعل نضال الطبقة العاملة في دفاعها عن القضايا الوطنية والديمقراطية والمطلبية ناجعاً. وهذا التبدل الكبير في الأشكال يحتاج إلى معرفة ودراية بها كي تصبح ذات فعالية، ومؤثرة في طرق العمل والمهمات المُراد إنجازها، وهي كبيرة ومتشعبة، فرضتها طبيعة الصراع الطبقي والوطني الذي تخوضه الطبقة العاملة دفاعاً عن كرامة الوطن، وعن حقوقها التي يجري الاعتداء عليها وتكبيل حريتها، بالقيود التي تمنع عنها أوكسجين المعرفة والوعي، الذي تحاول القوى الرأسمالية وشركاؤها التحكم به واستخدامه بما يخدم برنامجهم الليبرالي المطروح، والذي يُجمَّل بالكثير من المساحيق الخارجية، ذات ألوان عمالية ونقابية، لحرف الوعي العمالي عن نقطة الهدف الأساسية المفترض توجيه النيران باتجاهها.
وما يدعونا لهذا الحديث الآن رؤيتنا لأهمية استخدام الأدوات المتطورة هذه من الحركة النقابية، لإيصال موقفها إلى العمال في مواقعهم الإنتاجية وأينما وُجِدوا، ليس هذا فقط، بل إن الإعلام العمالي والنقابي يتحمل الكثير من المسؤولية تجاه الدفاع عن القضايا الوطنية الكبرى، وفي مقدمتها الدفاع عن القطاع العام، وخاصةً الإنتاجي منه، وإيصال المواقف التي تُطرَح في المؤتمرات والاجتماعات، وفي التقارير المكتوبة إلى القواعد العمالية، لكي يتسلح العمال بهذه المواقف ويُعبؤون فيها، في الوقت الذي تطور فيه الإعلام الليبرالي إلى حد كبير حتى بات يخدم بتوجهاته البرنامج الليبرالي لقوى السوق، وهذا الإعلام له الكثير من المواقع والمنابر التي يتحدث ويطل منها على الجمهور الواسع، في حين يُغيَّب الإعلام الوطني الحقيقي الذي يحمل برنامجاً نقيضاً للبرنامج الليبرالي ويتحمل عبء المقاومة والمواجهة بأدوات لا ترتقي إلى ما تملكه قوى السوق من أدوات إعلامية متطورة (فضائية، مواقع إلكترونية، صحف، مجلات... إلخ).
ويزداد هذا الفارق الكبير بين الإعلامَين باطِّراد بسبب الإمكانيات المادية المتحكَّم بها من قوى السوق، ولا تملكها القوى الوطنية الأخرى.
إن واقع الإعلام النقابي الحالي باقتصاره على إصدار جريدة كفاح العمال الاشتراكي وبعض الأخبار في الموقع الكتروني للاتحاد العام لنقابات العمال، لا يمكن أن يؤدي المهمة الجسيمة التي تقع على عاتق الإعلام النقابي، وهي التعبئة والتنظيم ونشر الثقافة الوطنية وإبراز الرموز الوطنية الذين ضحوا من أجل الوطن ومن أجل الطبقة العاملة، وهم كثر.
إن القضايا الوطنية والطبقية مترابطة ومتشابكة إلى حد بعيد، وتحتاج إلى تضافر جهود جميع القوى الوطنية والشريفة، وفي المقدمة الطبقة العاملة السورية التي يجري تغييب دورها والتقليل من إمكانياتها الكامنة التي يملكها العمال، والتي ستلعب دوراً أساسياً في حماية الوطن والدفاع عنه، إلى جانب حماية حقوقها ومكتسباتها التي تحققت بفعل نضال وتضحيات الرواد الأوائل من القيادات العمالية والنقابية منذ عقود.
المطلوب إبراز تلك الرموز العمالية، وهذه مهمة الإعلام الوطني، وخاصة النقابي منها، لاستحضار المُثُل العظيمة والاقتداء بها في النضال والتضحية.