في التقرير الاقتصادي المقدم للمجلس العام: الخلل في التركيب الهيكلي لعملية التنمية برمتها

إن آلية التطبيق وتنفيذ السياسات الاقتصادية الكلية في السنوات الماضية لم تكن تراعي ترتيب الأولويات ولا حتى منسجمة مع متطلبات وتطور الاقتصاد والمجتمع السوري،  فانعكس ذلك سلباً على الجانب الاجتماعي لعملية التنمية وتشوهاً قطاعياً هيكلياً في بنية الاقتصاد السوري، وفشلت الحكومات المتتالية منذ عام 2005 بالوقت ذاته من تحسين المؤشرات الاجتماعية، وأهمها مؤشرات البطالة والفقر والتعليم والصحة، ومؤشر عدالة توزيع الدخل القومي، التي كانت وما زالت متردية حتى اليوم، بل تراجعت أكثر نتيجة الأوضاع الأمنية الحالية.

إلى جانب المغالاة الليبرالية غير الواقعية وبالاعتقاد بحتمية الاندماج (المتسرع والمنفعل) بالاقتصاد العالمي (وليس الانفتاح الإيجابي الفاعل)، وبأولوية الاهتمام بالجانب المادي لعملية التنمية، ولو كان ذلك على حساب تراجع الجانب الاجتماعي، وتحييد للدور الاقتصادي والإنتاجي للدولة، الذي أفرز بدوره تراجعاً في الدور الاقتصادي والاجتماعي للقطاع العام وفشلاً في جميع محاولات إصلاحه (بل تعمداً في عدم إصلاحه). وكل ذلك هو نتيجة حتمية لتلك الفلسفة التي كانت تقود عملية التنمية خلال الخطة الخمسية العاشرة .

لذا فإن واقع المرحلة الحالية اليوم هو نتاج مجموعة من العوامل المتشابكة التي زاد في تعقيدها التطبيق المشوه اللامتوازن لنهج اقتصاد السوق الاجتماعي، عدا عن تداعيات أزمة الغذاء العالمية وارتفاع أسعار النفط عام (2007) وانفلات الأزمة المالية الاقتصادية العالمية وآثارها المستمرة منذ عام (2008)، مروراً بما رافقها من ظروف جوية ومناخية غير مؤاتية، وانتهاءً بالظروف والتحديات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والأمنية الاستثنائية التي يشهدها القطر اليوم.

وفي هذا الإطار يقتضي التنويه إلى الآثار والمنعكسات السلبية الناتجة عن الحصار الاقتصادي والعقوبات التي تأثر وسيتأثر بها القطر على المديين القصير والمتوسط، و يجب عدم التقليل من شأنها ومن اتساع أذاها، وبالتالي لا بد من اتخاذ كل ما يلزم لمحاصرتها في أضيق الحدود على الرغم من محدودية خسائرها المادية المباشرة، إلا أن المتعلق منها بالطيران والسفر والتحويلات المالية تشكل عامل إرباك للنشاط الاقتصادي والاجتماعي، وترفع التكلفة وتكلف المزيد من الوقت والإجراءات، وخاصة في إنجاز المعاملات وصفقات التجارة الخارجية مع معظم الدول العربية والأجنبية. 

ففي معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي لا بد من الإشارة إلى أن نسب النمو ليست كافية في ظروف القطر العربي السوري، نظراً لارتفاع معدل النمو السكاني وبسبب ارتفاع المعدلات الحقيقية للتضخم لوجود فرق بين المعدلات الرسمية المحسوبة أو المتوقعة للتضخم والمعدلات الحقيقية، كما إنها ليست مرضية (من جهة أخرى) لأن الاستقراء السليم والموضوعي للواقع يشير إلى أن الإمكانات والطاقات المادية والبشرية للاقتصاد والمجتمع السوري تسمح بنسب نمو أعلى فيما لو أُحسن تنظيمها واستغلالها والاستفادة منها بشكل أكثر تدبيراً ورشداً وعقلانية في ظل عمل مؤسساتي نزيه ومبدع وخلاق، لذا فإن الكثير من الاقتصاديين يعتقدون أن تحقيق نسبة نمو (8%) على الأقل أمر ممكن من جهة أولى، ولازم، بل ضروري من جهة ثانية. 

أما المأخذ الآخر على نسب نمو الاقتصاد السوري خلال السنوات الماضية فيتعلق بعدم التوازن التنموي الجغرافي بين المدن والريف من جهة وبين محافظات ومدن وبلدات ومناطق القطر المختلفة من جهة أخرى، وبالتالي عدم عدالة المؤشرات التنموية وهذا إن دل على شيء فهو يدل بشكل واضح ليس فقط على خلل في التخطيط التنموي، بل يشير (وهو الأهم) إلى خلل نوعي في التركيب الهيكلي لعملية التنمية برمتها.

أما في قضية ضعف الطلب الفعال وضيق السوق الداخلية فيمكن تجسيد ذلك بما يلي:

1ـ ضعف القوة الشرائية للشرائح الأوسع من المواطنين، نتيجة ضعف الدخل الفردي (الاسمي والحقيقي) بالمقارنة مع المستويات السائدة للأسعار، وفي ظل عدم عدالة توزيع الدخل   القومي.

2ـ التضخم (الزاحف) والارتفاع المستمر للأسعار، ما يعني مزيداً من ضعف الطلب وضيق السوق، ولارتفاع الأسعار هذا، أسباب موضوعية، وأسباب أخرى (غير موضوعية)، أهمها الدور الذي يلعبه (احتكار القلة) في سورية منذ عدة عقود، وخاصة لأهم المستوردات من السلع الضرورية والغذائية والعلفية ومواد ومستلزمات البناء.

3ـ انخفاض وتيرة الصادرات إلى الأسواق الخارجية لأسباب عديدة تتعلق بالوضع السياسي والأمني الراهن، والتي تزيد من إضعاف الطلب في السوق.