مذكرة الأمانة العامة لاتحاد العمال العرب الحركات الاحتجاجية رد طبيعي على سياسات عدم الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي
قدمت الأمانة العامة لاتحاد العمال العرب مذكرة أوضحت فيها وجهة نظر الاتحاد في كل ما يجري في الوطن العربي من احتجاجات ومظاهرات على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية التي تعيشها الشعوب العربية، وأكدت المذكرة أن سياسة العولمة الإمبريالية، والليبرالية الجديدة فرضت سياساتها على الدول الوطنية، مما أحدث كوارث اقتصادية واجتماعية، انعكست نتائجها على جميع العاملين بأجر وأصحاب الدخل المحدود، بسبب انفتاح الأسواق وانهيار معظم الصناعات الوطنية في البلدان التابعة، مما أدى عملياً إلى:
- ارتفاع نسب البطالة في جميع أنحاء العالم، ومنها بلداننا العربية، وترافق ذلك مع تزايد القلق وتفشي الجرائم الاجتماعية. - فقدان العمال إمكانية السيطرة على شروط عملهم وخسارة قسم هام من حقوقهم المادية والمعنوية التي كانت تحميهم، إضافة إلى تغيرات جذرية في عمليات الإنتاج وظهور نمط جديد من العمل. - إلغاء معظم المكتسبات العمالية وطرد آلاف العمال من المصانع، وتحول هؤلاء إلى جيش من العاطلين يعرضون قوة عملهم بأبخس الأثمان. - تطور مواقف الحركة العمالية والنقابية مع تزايد القمع وتراجع الضمان الاجتماعي ومع غياب الحريات الديمقراطية التي طالما تشدقت بها النظم الرأسمالية العالمية. وقالت المذكرة إن موقفاً واضحاً تعبر من خلاله الطبقة العاملة العربية، من قضايا الافقار التي تمارسها سياسات الهيكلة والخصخصة، لهو أمر في غاية الأهمية، وبحاجة إلى وعي تسعى النقابات لبلورته، بهدف رفض المتغيرات التي تمس جوهر العملية الاقتصادية بما يمس مصالح جموع الطبقة العاملة العربية. وتدل التطورات الجارية على ان النقابات العمالية ليست بمنآى عن التحولات الاقتصادية في ظل العولمة الراهنة، وتنامي نفوذ المؤسسات المالية الدولية «صندوق النقد الدولي والبنك العالمي» ومنظمة التجارة العالمية، التي تعتبر اهم مرتكزات ما يسمى بالنظام العالمي الجديد، والشركات المتعددة الجنسيات التي باتت تتدخل في تحديد المسارات الاقتصادية والاجتماعية الوطنية لمعظم البلدان النامية ومنها بلداننا العربية . وفي ظل هذه التحولات التي تجتاح العالم بما فيها البلدان العربية والتحول الى اقتصاد السوق وتنفيذ برامج الإصلاح الاقتصادي، تؤكد المذكرة على اضطرار بلدان عديدة بموجب برامج التكييف الهيكلي الى التخلي عن الدور الاقتصادي والاجتماعي للدولة خصوصاً في جانب رفع الدعم الحكومي عن السلع والخدمات، وتخفيض الانفاق الحكومي على التعليم والصحة والرعاية والخدمات الاجتماعية، وتأثرت سياسة الضمان الاجتماعي بشكل عام، بسبب القيود التي فرضت على الانفاق العام، وبسبب تزايد خصخصة الخدمات الاساسية ارتفعت تكاليف المعيشة. وأدت الخصخصة الى تسريح اعداد كبيرة من العمال وتفاقم حدة البطالة كتحد بالغ الخطورة، والى انخفاض نسبة العضوية في النقابات العمالية، وتقلصت فرص العمل المتاحة نتيجة لنقص الاستثمارات الجديدة المنتجة التي تخلق فرص عمل، وهذا ما دفع بأعداد كبيرة للعمل في القطاع غير المنظم الذي يتسم بعدم الاعتراف بحقوق العمال أو تسجيلهم أو حمايتهم وفقاً لتشريعات العمل والحماية الاجتماعية، لأسباب يرجع معظمها الى الغموض الذي يشوب استخدامهم . هذا الى جانب بروز الدعوات لمراجعة تشريعات العمل تحت ذرائع مختلفة، بهدف التخلي عن أهم مظاهر الحماية الاجتماعية التي ضمنتها هذه التشريعات بفضل نضال الطبقة العاملة وتضحياتها، كما بدأت تظهر مسميات جديدة وأساليب متنوعة مثل ظاهرة التسريح الطوعي والاخذ بنظام المعاش المبكر وجميعها تهدف الى خفض الايدي العاملة . ولتمرير هذه السياسات وغيرها أوضحت الأمانة العامة إنه تم اللجوء إلى محاولات تهميش النقابات وإضعاف دورها وفاعليتها في الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وقدرتها التفاوضية، وظهور الدعوات المشبوهة الى ترويج التعددية النقابية في الساحة النقابية العربية التي يغلب على معظمها الوحدة النقابية والتضامن النقابي في اطار تنظيم عمالي واحد في القطر الواحد، بهدف تفتيت وحدتها بصيغة التعددية واضعافها لمصلحة الشركات المتعددة الجنسية التي تستهدف السيطرة على اقتصاديات الدول الاخرى، وإيجاد الأيدي العاملة والمواد الأولية الرخيصة، والانتقاص من المكاسب العمالية والتهميش لدور النقابات وتشريعات العمل الوطنية، كما ساعد في الترويج لهذه التعددية تدخل الاحزاب السياسية والسلطات الحكومية واصحاب العمل في الشأن النقابي، منتهكين بذلك الحقوق والحريات النقابية واتفاقيات العمل العربية والدولية الصادرة بهذا الشأن، خدمة لمصالحهم وللسيطرة على العمل النقابي . إن ما شهدته بعض البلدان العربية من تحركات احتجاجية، كان عاصفا ومتسارعا، كما هو الحال في تونس، وفي هذا الصدد فقد كان للاتحاد العام التونسي للشغل دور بارز في استقراء التأثيرات الاقتصادية وسياسات الخصخصة وانعكاساتها على جموع الطبقة العاملة، ونبه إلى الاحتمالات الكامنة من افقار للشعب، وغلاء لمعيشته، بما لا يطيق أحد احتماله. وأكدت المذكرة أن أسس هذا التدارك يمكن إيجازها فيما يلي : 1) إقرار واضح وجلي من قبل الحكومات العربية بخطأ السياسات المعتمدة سواء في معالجة القضايا الحياتية والخدماتية للمواطنين، أو من خلال الركون الثابت لأساليب القمع والتضييق على الحريات العامة والخاصة، لاسيما حرية التعبير والمشاركة الشعبية واعتبارها الأساليب الوحيدة للتعامل مع المطالب المشروعة اجتماعية كانت أم سياسية. 2) إقرار واضح وجلي من النخب الحاكمة وبعض النخب الثقافية والسياسية الممالئة لها، بأن الدولة القطرية المتجاهلة لحاجات مجتمعها إلى التكامل العربي، الاقتصادي والسياسي والامني، تحولت الى عبء على هذه المجتمعات مع فشلها المتفاقم في تأمين السيادة والاستقلال، وفي صون الامن الوطني والقومي، وفي إنجاز مهام التنمية الاقتصادية والاجتماعية المتوازنة، وفي تحقيق العدالة الاجتماعية والديمقراطية السياسية، بل حتى في الدفاع عن هويتها القومية وتراثها الروحي والحضاري العريق . 3) مبادرة الحكومات العربية الى فتح حوار جدي مع كل القوى السياسية، لاسيما قوى المعارضة الوطنية غير المرتهنة للخارج، من أجل صياغة عقد اجتماعي جديد يخرجها من واقع الاستبداد والفساد والتبعية السياسية والاقتصادية لقوى الهيمنة الاستعمارية ومؤسساتها. 4) مبادرة الحكومات العربية إلى الإفراج الفوري عن كل المعتقلين السياسيين وسجناء الرأي، خصوصاً معتقلي الاحتجاجات الاخيرة، والسعي لعودة كل المبعدين والمنفيين لأسباب سياسية إلى بلادهم للمشاركة في مهمة الانقاذ الشامل لهذه الدول في مواجهة مخاطر الانهيار والفوضى التي تنتظرها. 5) إجراء مراجعة جذرية وعلمية للسياسات الاقتصادية والمالية والاجتماعية الحالية على قاعدة إطلاق تنمية متوازنة بين قطاعات الانتاج وعناصره، وبين مناطق البلاد المختلفة بعيداً عن الارتهان للهيمنة الخارجية ومؤسساتها الدولية المحكومة بخدمة النظام الرأسمالي والإمبريالي الذي يقوم على سلب موارد هذه البلاد وتشويه بناها الاقتصادية والاجتماعية، بل تنمية مقرونة بعدل اجتماعي ومحصنة بوجه كل أشكال الفساد والهدر التي باتت منتشرة على مختلف المستويات. 6) العمل الفوري على اجراء انتخابات نزيهة وحرة وفق قوانين انتخابية عصرية، وإشراف قضائي مستقل، والغاء كل قوانين الطوارئ بكل اشكالها ومعها المحاكم الاستثنائية التي تغلب اعتبارات الامن على العدالة، ومصلحة السلطة على مصلحة المجتمع. 7) إرساء دعائم حوار اجتماعي فعال بين أطراف الإنتاج يقود إلى مواجهة مختلف التحديات أمام سوق العمل ويضمن توفير الحلول المناسبة لكل المشاكل الاقتصادية والاجتماعية، ولا يتأتى ذلك إلا بإرادة سياسية حقيقية ومنح العمال حق بناء تنظيماتهم النقابية بكل حرية ودون تدخل من أي طرف ودعم النقابات لتكوين الكوادر النقابية القادرة على خوض ومتابعة ذلك الحوار
■ .قاسيون بتصرف عن مجلة العمال العرب |