ماذا بعد المؤتمرات النقابية؟
عادل ياسين عادل ياسين

ماذا بعد المؤتمرات النقابية؟

شارفت المؤتمرات النقابية على نهايتها، ويبقى السؤال المشروع الذي ما يزال العمال يرددونه: ماذا بعد المؤتمرات؟

 

لقد عمل القائمون على المؤتمرات بالتحضير الجيد لها من حيث الشكل، بينما من حيث المضمون ما يزال التحضير يحتاج إلى نقاش موسع، إذ لابد لاحقاً، من أن يكون العمال في مواقعهم الإنتاجية هم مركز تجهيز وصنع القرار بكل تفاصيله، ابتداءً بقضاياهم المطلبية والحقوقية وليس انتهاءً بالإنتاج وخططه، والفساد وتأثيراته ونتائجه المباشرة على آليات العمل الإنتاجي والإداري وعلى حقوق العمال، التي حاولت الكثير من المداخلات العمالية في المؤتمرات المنصرمة والحالية إبرازها والتأكيد عليها مراراً وتكراراً، ولكن (لا حياة لمن تنادي).

في المؤتمرات الأخيرة، تميز العديد من المداخلات في أكثر من مؤتمر نقابي بجرأة واضحة في طرح معاناة العمال وتقديم شرح تفصيلي لظروف العمل داخل المعامل، وهذا يعكس وعياً متقدماً عند طلائع الطبقة العاملة بضرورة إيجاد حلول حقيقية للمطالب العمالية وآليات فعلية ناجحة لتحصيلها وتأمينها، ولم يعد مقبولاً عند الطبقة العاملة أن تستمر المماطلة بتسويف حقوقها وكتم صوتها وإرادتها في تغيير أوضاعها وأحوالها التي وصلت إلى مستويات قياسية من السوء والحرمان والنكران لجهودها وعرقها في تسيير عملية الإنتاج، التي هي الضمانة الحقيقية لاستعادة الاقتصاد الوطني عافيته ودوره السياسي والاجتماعي والاقتصادي، إذ عملت حكومة السياسات الليبرالية وفريقها الاقتصادي على ضرب الاقتصاد الوطني وتسخير مقدراته وإمكاناته الجبارة لمصلحة قوى السوق التي بينت الأزمة الوطنية الحالية الدور القذر الذي لعبته هذه القوى في التحضير الفعلي لما يجري الآن، وكذلك بينت الأزمة الحالية حقيقة التخوفات التي كانت تطرحها الكوادر النقابية من تلك السياسات وآثارها التدميرية على البشر والحجر، في الوقت الذي كان العديد من القيادات النقابية والسياسية يدافع باستماتة عن تلك السياسات ودورها باعتبارها المنقذ (الحقيقي) للاستعصاءات الاجتماعية مثل الفقر والبطالة وتدني مستوى المعيشة وغلاء الأسعار، وبالرغم من جلاء الحقيقة ووضوحها مازال الدفاع مستمراً والتبرير قائماً لكل ما جرى ويجري الآن، محاولين إقناع الطبقة العاملة أن لا طريق يحقق مصالحهم ويؤمن حقوقهم سوى هذا الاقتصاد الذي جرى تبنيه وتطبيقه على الأرض، ولكن الطبقة العاملة وكوادرها الواعية بحقيقة ما جرى من تخريب اقتصادي واجتماعي، قد عبرت عن موقفها ورفضها لما يطرح عليها من توجيهات ونصائح وكلام معسول عن عدم إمكانية الاستمرار بالتعايش مع هكذا نهج اقتصادي جعلها أكثر فقراً وعوزاً، بل أخذ هذا النهج الاقتصادي يحول العمال إلى متسولين ومستجدين للمساعدات والهبات التي تقدم لهم من فائض القيمة التي أنتجتها سواعدهم وتذهب بمعظمها إلى جيوب من لاحق لهم بها.

إن ما طرح في المؤتمرات النقابية شيء مهم ينبغي للطبقة العاملة وكوادها النقابية التأسيس عليه لإعادة صياغة موقف الحركة النقابية وفق ما تتطلبه ظروف المعركة الوطنية الحالية على كل الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية. وهذا يعني إعادة بناء المرتكزات الأساسية التي تربط الحركة النقابية بالطبقة العاملة، أي إعادة بناء أدوات الحركة النقابية النضالية وفي مقدمتها تبني حق الإضراب السلمي كأحد الأشكال النضالية للدفاع عن حقوق الطبقة العاملة ومكتسباتها والتخلي عن وهم العلاقة التشاركية مع أي حكومة حالية أو قادمة، لأنه لا يمكن الجمع بين متناقضين أساسين (رب العمل، العامل) بسبب المصالح والحقوق المختلفة بين الطرفين والانحياز المفترض أن يكون هو إلى جانب حقوق الطبقة العاملة وتأمين الشروط الضرورية واللازمة لتحقيقها، وهذا مبرر وجود وشرعية النقابات، وإذا ما جرى التخلي عنها فإن الطبقة العاملة ستدير ظهرها، ولن يكون لها آذان صاغية مهما كانت الشعارات أو النصائح الموجهة لها، لأنها تعلم بخبرتها التاريخية أن الأمور تقاس بنتائجها، وعلى هذا الأساس تحدد موقفها من النقابات أو من كل من يدعي تمثيلها أو النطق باسمها.