على من تقع مسؤولية العقوبات؟

الحصار الاقتصادي المفروض الآن على الاقتصاد السوري دفع الحكومة السورية إلى اتخاذ إجراءات تقشفية، الغاية منها الحد من استيراد المواد المشمولة بالمنع، وهي قائمة واسعة تتضمن بشكل أساسي ظاهراً السيارات والألبسة والأدوات الكهربائية والخلائط الحديدية التي رسومها الجمركية أعلى من /5%/، لكنها في الحقيقة تطال أيضاً مواد وسلعاً لا تقل أهمية كالمواد الغذائية التي كانت بدائل مهمة للحوم الطازجة غالية الثمن التي لا يستطيع الفقراء شراءها.

 

إن القرارات الوزارية هذه جاءت بعد عملية انفتاح واسعة سعت إليها الحكومة السابقة للأسواق، مما جعل مراقبة هذه الأسواق مستبعدة من قبلها، ولا يمكن السيطرة على عملياتها التجارية التي يقوم بها تجار كبار يحتكرون كل ما يستورد خارج رقابة الدولة وأجهزتها، وخارج الرقابة الشعبية التي هي عامل أساسي في الحفاظ على استقرار الأسواق وعدم احتكارها إن كان لها سبيل للرقابة عليها.

وقد جاءت تبريرات الحكومة لاتخاذ هذه الإجراءات هي حماية الاقتصاد الوطني في مواجهة الحصار المفروض عليه، وهذا أمر صائب من حيث المبدأ، ولكن القيام بمنع استيراد الكثير من المواد التي تم ذكرها دون سيطرة الحكومة على الأسواق، واحتكار بعض الحيتان الكبار للمواد الضرورية، سيكون له آثار كارثية على المواطنين، ونُذُر ذلك بدأت بالظهور من قبلُ ومن بعدُ، حيث ارتفعت أسعار الكثير من المواد الغذائية والمواد الأخرى، وامتنع الكثير من التجار عن طرح مواد مطلوبة بشدة استهلاكياً في الأسواق، انتظاراً لرفع أسعارها، وذلك من خلال التحكم بآليات العرض والطلب التي ستضاعف أرباحهم على حساب المواطنين الفقراء وذوي الدخل المحدود، مما يعني مزيداً من الإفقار، ومزيداً من الاحتقان والتذمر والاحتجاج، وهو أمر طبيعي يلجأ له المتضررون دفاعاً عن حقوقهم وتعبيراً عن سخطهم من توالي الارتفاع الجنوني للأسعار الذي لم يعد يحدث كموجات دورية أو موسمية بل أصبح أمراً متواصلاً يسببه الاحتكار البشع الذي يقوم به التجار في غياب الدور الحقيقي للدولة في الحفاظ على توفر المواد الأساسية وبأسعار مناسبة لدخول الفقراء الذين يشكلون أغلبية الشعب السوري.

إن مفاعيل قرارات من هذا النوع تكون بمثابة سلاح ذي حدين، فلو تم استثمارها بشكل إيجابي سيكون تأثيرها كبيراً على الصناعة والزراعة من حيث نهوضها واستعادة نشاطها الإنتاجي، حيث الكثير من المنشآت الصناعية والزراعية قد أغلقت أبوابها وسرحت عمالها بسبب الأزمة السياسية- الاجتماعية التي تعصف بالبلاد، والتي يشكل أهم أسباب تفجرها ارتفاع نسب الفقر والبطالة والمهمشين الباحثين عن عمل يسد الرمق ويدفع عنهم شر السؤال والحاجة.

إن عقد الثمانينيات من القرن الماضي غلب عليه الحصار الإمبريالي لسورية، فمرت على الشعب السوري ظروف كانت صعبة وقاسية، حيث فُقد الكثير من المواد الأساسية والضرورية، وأصبح الحصول على الضروريات شيئاً شبه مستحيل مما فتح الباب واسعاً أمام تجار التهريب خارج المنافذ الحدودية، وأحياناً عبرها، وأصبحت هناك خدمة اسمها خدمة توصيل البضائع المهربة إلى المنازل كما يحدث الآن في إيصال الوجبات السريعة، وتأثرت الزراعة إلى حد بعيد، وكذلك الصناعة سواء في القطاع العام الصناعي أو في القطاع الخاص، ولكن الحاجة كما يقال: أم الاختراع، حيث عملت الكثير من القدرات العلمية والفنية على إيجاد بدائل حقيقية للقطع التبديلية للمواد الضرورية الداخلة في الصناعة، مما أفقد الحصار جدواه في الضغط على الحكومة السورية من أجل تقديم تنازلات سياسية واقتصادية.

والآن، فإن الانفتاح على الشعب وتأمين حقوقه سيسد الطريق على أي حصار اقتصادي سياسي، وسيفجر الطاقات الكامنة لدى شعبنا، حيث سيبدع في الرد على الحصار المفروض عليه من جانب أعدائه، وهذا هو تاريخ شعبنا في معاركه التي خاضها، والتي سيخوضها لتأمين سلامة الوطن والحفاظ عليه مستقلاً غير خاضع لأي حصار، سياسياً كان أم اقتصادياً، ومن أجل ذلك لابد من تقديم كل  الإمكانيات والمساعدات اللازمة لكي تدور عملية الإنتاج الوطني، هذه العجلة شبه المتوقفة وشبه العاجزة عن إكمال دورها المنوط بها في تأمين البدائل عن المواد المستوردة، وهذا يتطلب الكثير من الحكمة والحس الوطني والرؤية العميقة، والباقي سهل مع وجود الكادرات العلمية والفنية التي تستطيع تقديم الحلول العملية لنهوض القطاع الصناعي مرة أخرى، وبهذا الخصوص فإن النقابات العمالية يمكن أن تلعب دوراً متقدماً في تطوير القطاع العام الصناعي، وحتى القطاع الخاص الصناعي لتوفر الإمكانيات الكبيرة التي تملكها النقابات العمالية وتواجدها في معظم المنشآت الصناعية على امتداد البلاد.

 

إن الوقوف إلى جانب الصناعة الوطنية مهمة وطنية من الدرجة الأولى، فهذه الصناعة ستساعد بشكل حاسم في كسر الحصار وإفشاله، وبالتالي إفشال كل المخططات التي سعت القوى الإمبريالية لفرضها على شعبنا.