رفـع للأجــور أم مــراكـمة للأرباح؟
ما أن أعلنت وسائل الإعلام عن صدور المرسوم المعني بزيادة الأجور للعاملين في الدولة ومن في حكمهم، حتى بدأت التجهيزات الضرورية لمعركة مصالح كبرى غير متكافئة، طرفاها عمال القطاع غير المنظم و أرباب عملهم الذين يعدون العدة بطرقهم الخاصة.
تتشارك الطبقة العاملة وسائر العاملين بأجر، الوضع المعيشي الكارثي، كون الفجوة الكبيرة بين الأجور والأسعار باتت تتسع أكثر وأكثر، ولم يعد أي أجر قادر على تأمين الحاجات الضرورية للأسرة المعتمدة على أجر، عكس حال أصحاب الأرباح الذين عرفوا كيف يستغلون كل صغيرة وكبيرة ليراكموا ثرواتهم، وبالعملة الصعبة، ولا يمكن الفصل بين شرائح الطبقة العاملة بناء على معاناتهم وحالهم المعيشي البائس، فالجميع في الهم سواء، والفقر أصبح ملازماً للطبقة العاملة كاملها، ولا بشائر تدل على تغير حالهم إلى الأفضل، بل على العكس تماماً وممارسات الحكومة المحبة لأرباب الأعمال كلها والرؤوفة بأسياد المال تشير لعدم مبالاتها لما آل عليه حال العمال، بل تراها مكتفية بالتغني بالزيادة الأخيرة على الأجور التي أقرت بمرسوم، لتضع العمال في ترقب حذر لما بعد الألفين والخمسمئة ليرة، فقبل كل زيادة أو بعدها لابد من إجراء حكومي ما، يعوض على الحكومة ما ستدفعه من زيادات، فهذا ما خبره العمال بحكم التجربة وليس من باب التنجيم أو الافتراء، ولا بأس بفكرة التعويض، لو أنها استهدفت أصحاب النفوذ الاقتصادي والفاسدين والمحتكرين، ولكنها دائما تستهدف جيوب الشغيلة المأجورين والفقراء، ورغم ذلك تتسلح الطبقة العاملة بالأمل عسى أن تكون هذه المرة زيادة فعلية.
زيادة أجور أم ارتفاع للأسعار؟
لطالما صاحبت الزيادات الممنوحة على الأجور ارتفاعا نسبيا بالأسعار، مثلما حصل بالأربعة الآلاف الأخيرة التي منحت على الأجر كدعم معيشي، لترتفع بعدها أسعار المواد كافة وعلى رأسها الخبز والسكر التمويني والمازوت والفيول، وبالتالي ارتفعت أسعار المواد الغذائية كلها وكذلك أجور النقل والاتصالات، لتشكل بمجموعها أكثر من ضعف المنحة، ناهيك عن ارتفاعات أخرى على مواد أساسية تتوالى بعد الموجة الأولى، وكان آخرها ارتفاع أسعار الدواء، ولهذا تعتبر هذه الزيادات أو المنح تعويضاً نسبياً بسيطاً عن زيادات الأسعار وفقدان القوة الشرائية لأجر العامل، طبعاً هذا في حال حصل عليها، فكيف سيكون حال عمال القطاع غير المنظم الذين لن يحصلوا عليها، كونهم غير مشمولين بأي قانون يحميهم أو يؤمن لهم حقوقهم؟ فالقانون الوحيد الذي يحكم علاقتهم بأرباب عملهم هو: قانون السوق، أي العرض والطلب على الأيدي العاملة على هذه المهنة أو تلك، فلا شيء يلزم أرباب أعمالهم بدفع الزيادة، إلا حين يتلمسون اشتداد حالة الغليان والاحتقان التي تتضح لهم بعد كل قرار حكومي بالزيادة على الأجور أو مع ارتفاع الأسعار الكبير والمتكرر، ليبدأ العمال معركتهم التي غالباً ما تنتهي (بإبرة بنج) بإقرار أرباب العمل بزيادة تدريجية ونسبية بسيطة قد تستمر لشهور.
رب العمل يرفع الأجور أم الأرباح؟
يتسلح عمال القطاع غير المنظم بالقرارات التي تصدر عن الحكومة بالزيادة ليواجهوا فيها رب عملهم، وليجدوها فرصة كي يحسنوا وضعهم المعيشي المتدهور، وغالباً ما يحصلون على النتائج المرجوة، كون هذه القرارات توحد مسعاهم وأهدافهم، وهذا لا يحصل في الأحوال العادية فكل طلباتهم التي تسبق هذا التحرك لا تتحقق كونها تأخذ طابعاً فردياً لا يثمر، وهذا ما يحرص عليه رب العمل أشد الحرص، ولكن ما أن يخرج قرار من هذا النوع إلا ويتحرك العمال جميعاً، ليس في المنشأة الواحدة فقط، بل على مستوى المهنة وعلى مستوى القطاع كله، ولكن لأرباب العمل حساباتهم الخاصة التي لا يدركها أغلب العمال، على مبدأ (كل واحد شيطانه تحت باطو) فرب العمل فعلياً لن يتضرر من رفع الأجور على هذه الشاكلة، أي المصاحبة لارتفاع الأسعار، بل سيستفيد شأنه شان الحكومة التي هي أيضاً رب العمل لعمال القطاع العام، فهو يدرك بأن الأسعار سوف ترتفع بعد الزيادة، ولكنها ستأخذ وقتاً حتى تشمل منتجه، فيماطل عماله، ويحلف لهم الأيمان، ويعدهم بزيادة تدريجية وليست فورية متنظراً استقرار السوق ومقدار الزيادة التي ستطرأ على منتجه وعلى تكاليف إنتاجه ليجري بعدها عملية حسابية بسيطة تكون دليله لمقدار الزيادة التي سيمنحها لعماله بالمنّ والفضل، فان ارتفع سعر منتجه ثلاثين بالمئة فهو سوف يتكرم على عماله بعشرة بالمئة، محققاً ربحاً اضافياً ما كان ليحلم به لولا هذه القرارات التي تصب في مصلحة أصحاب المال، وتدفع بالعمال والشغيلة أكثر وأكثر لحُفر الفقر والعوز والحرمان، فدعم الطبقة العاملة لا يتم برفع الأجور المصاحب لرفع الأسعار بل يتبني سياسة اقتصادية متكاملة تؤمن معيشة كريمة لبناة الوطن.