معمل ورق دير الزور بين الفساد والإرهاب
منذ تأسس معمل الورق في دير الزور، وإشارات الاستفهام تدور حوله، فقد كانت تكلفة إنشائه التقديرية 400 مليون ليرة، ووصلت إلى مليار وربع تقريباً، بالإضافة إلى وجود عيب في العقد الموقع مع الشركة الموردة للآلات، وقد كُشف هذا العيب من خلال توريد الشركة في حينه، مفاعلاً غير صالح للعمل!؟.
بالمقارنة مع المبالغ التي دفعت لإنشاء المعمل، كان يجب أن يكون لدينا معمل من أفضل معامل الورق، ولكن ما حصل كان استجلاب تلك الآلات السيئة، بالإضافة إلى فشل معامل تصنيع العجينة الورقية، التي كانت بتقنية قديمة آنذاك، ومع ذلك جرى التعاقد على إنشائها.
بالإضافة إلى أنّ الأرض التي أقيم عليها المعمل، كانت غير مناسبة كونها تربة سبخة ومن حيث الموقع، وقد جرى شراؤها لأنها تخص أحد المسؤولين بمحافظة دير الزور في حينه، بسعر مرتفع أعلى بكثير من قيمتها الحقيقية.
كل هذه الأخطاء، التي جرت أثناء إنشاء المعمل، والصفقات التي جرت بالسر، أدت فيما بعد، إلى توقف إنتاجية المعمل لمدة خمسة وعشرين عاماً، وكان معمل الورق هذا من أوائل المعامل التي تم تنسيقها، وكان التبرير في حينه؛ أن توقف المعمل كان نتيجة عدم إمكانية تأمين المواد الأولية اللازمة لإنتاج الورق، وعدم إمكانية إصلاح وتأهيل آلتي الورق، والأقسام المساعدة، وتأمين القطع التبديلية اللازمة لها.
مرتعاً للفساد
لهذا كان معمل الورق في دير الزور، مرتعاً لصفقات الفساد الكبرى، فقد جرى استثمار المعمل لصالح الفساد الكبير بأبشع الأشكال، حيث ومع بداية الحملة المسعورة لخصخصة القطاع العام، طرح المعمل للاستثمار، وتم ذلك من قبل رجل أعمال سوري، لصالح شركة فبيمبكس النمساوية، بموجب عقد موقع، بين الشركة العامة لصناعة الورق والشركة المستثمرة، بتاريخ تشرين الأول/2001م، وبعد استثمار المعمل من قبل شركة «فيمبكس» النمساوية، بدأ الحديث عن قضايا فساد وخسائر في المعمل، وصلت إلى 30 مليون دولار، بعد أن تعهدت الشركة المستثمرة بإعادة تأهيل وتطوير المعمل، وتعهدت أيضاً بإنتاج وتصنيع نحو 40 ألف طن سنوياً من الورق، وبدأت التساؤلات في حينه، عن مدى جدية الشركة في الالتزام بنصوص العقد الموقع مع القطاع العام؟!
وقد كان لحزبنا اعتراض على طريقة خصخصة المعمل، وطرح الحزب عدة تساؤلات عن حصة الدولة؟ وعن نوعية إنتاجه؟ ليتبين فيما بعد، بأن المستثمر لم يعمل على تطوير المنتج، بل زاد من سوئه، مما فتح الباب لصفقات استيراد الورق من دول الجوار، ومنها تركيا على سبيل المثال، وبموافقة من الحكومة آنذاك، إضافة إلى استيراد أكياس الإسمنت، التي من المفترض من معمل الورق أن ينتجها لصالح شركات الإسمنت، وكان مبلغ الاستيراد /5.1/ مليون يورو من شركة تركية!..
مع إطلاله عام 2011، أبلغت شركة فيمبكس النمساوية، المشغلة لمعمل ورق دير الزور، الشركة العامة لصناعة الورق، عن توقفها عن العمل والإنتاج، لأجل غير مسمى، مبررة ذلك بـانعدام تسويق إنتاجها، وعدم توفر مستودعات للتخزين، ونتيجة لهذا التوقف، سرح من المعمل 230 عامل من أصل 340 عاملاً، بعد أن حرمت الشركة العمال من رواتبهم لشهور عديدة.
داعش أنجزت المهمة
في عام 2011، نشب حريق بالمعمل، ونهبت المجموعات المسلحة بعض آلياته، كما سرقت المواد الموجودة في المعمل، ومؤخراً قام تنظيم «داعش» بفك آلات المعمل، وبيع حديدها كخردة، وأجرى هذا التنظيم مزاداً لبيعها، في إحدى المحطات النفطية، شرقي دير الزور، كما باع التنظيم المولدات الكهربائية والمحركات الكبيرة والآلات الضخمة، التي فككها من معامل أخرى، كـمعمل السكر، إلى تجار عراقيين، نقلت عن طريق البوكمال إلى العراق، وباع أيضاً الحديد والقطع الصغيرة والخردة، إلى تجار داخل سورية.
وهكذا انتهت قصة معمل، تلاعبت به يد الفساد الكبير، وباعته يد الإرهاب.