معمل (مسالكو).. هضم حقوق بالجملة
ما زال العامل، في المعامل والمنشآت الخاصة، يعاني من سوء المعاملة، وهضم الحقوق، ويبدو أن الأزمة فتحت الباب على مصراعيه، (للفاسدين في أجهزة الدولة ومؤسساتها، وللمستغلين من القطاع الخاص)، للاستغلال والنهب، دون رقيب أو رادع، وعلى حساب العامل، ولمصلحة أصحاب رؤوس الأموال، والمتنفذين، والفاسدين.
مراسل قاسيون - دمشق
حياة العاملين في المنشآت الخاصة، على المحك، فلا حماية ولا ضمانة لحقوقهم، وخاصة عند وقوع إصابة في العمل، ونقابات العمال، ومؤسسة التأمينات الاجتماعية، تضع في أذنيها طيناً وعجيناً، وكأنها لم تسمع بعد عن أوجاع عمال أصيبوا، وتحولوا إلى عاجزين.
أحد المدراء في معمل مسالكو للألمنيوم، الوقع في منطقة الصبورة، روى قصة إصابة عمل جديدة في المعمل المذكور، وذلك لأحد العاملين في الصيانة داخل المعمل، حيث بترت قدمه اليمنى، وهو يعمل بآلة التقطيع اليدوية، فطار قرصها، مما تسبب في قطع قدمه، بنسبة 85%، وذلك في يوم الأحد الواقع في 20/9/2015، وقد تم إجراء عملية مستعجله، (على نفقة العامل الخاصة)، لأنه ببساطة غير مسجل بالتأمينات الاجتماعية كما قال المصدر.
وقد جرت العادة؛ أن يتم إشراك العامل (غير المؤمن)، بالتأمينات الاجتماعية، عند إصابته، بتاريخ تلك الإصابة نفسها، عبر تزوير تاريخ التحاق العامل بعمله، بالتواطؤ مع بعض الفاسدين داخل المؤسسة، كي يتهرب صاحب العمل من المسؤولية، والمساءلة.
ومن المتوقع؛ أنه بمجرد انتهاء عطلة عيد الأضحى، سيتم تسجيل العامل المذكور، بالتأمينات الاجتماعية، بتاريخ الإصابة أعلاه حسب حالات سابقة.
فأين حق هذا العامل، أو غيره؟ علماً أن العامل المذكور مهجر من بيته، ويسكن بالأجرة.
وسائل حماية معدومة.. وأعمال خطرة
وبما يخص وسائل الحماية، قال المدير: وسائل الحماية في المعمل تكاد تكون معدومة، بالرغم من كل الأعمال الخطرة التي يقوم بها العمال، مثل سحب الألمنيوم، والتعامل مع أفران الحرارة العالية جداً، ومع الكثير من المواد الكيميائية، التي تبدأ بالأسيد، ولا تنتهي بالكوستيك (صودا كاوية)، علماً أن تلك الوسائل قد لا تتعدى كمامة صغيرة أحياناً.
والأخطر من ذلك، أن الآلات الصناعية المستخدمة في المعمل، مثل الرافعات الشوكية، غير مسجلة وغير مؤمنة، والإصابات تكاد تكون يومية بها، أو بغيرها.
ورقة الاستقالة قبل عقد العمل
المعاناة لا تنتهي عند هذا الحد، إذ يستفيض المدير قائلاً: إن من ضمن إجراءات عقد العمل، الذي يوقع عليه العامل (قبل مباشرته)، يوجد ورقة الاستقالة، غير محددة التاريخ، وعلى العامل توقيعها، وإلا لن يكون هناك فرصة عمل له.
رشاوى وتهرب من التسجيل بالتأمينات
ناهيك عن التهرب والرشاوى، للجان التأمينات الاجتماعية، للتغاضي عن تأمين العمال كافة، (نسبة التأمين للعمال لا تتجاوز 50% من إجمالي تعداد العاملين في المعمل)، والمؤمن عليهم معظمهم من الوردية الصباحية، لأن لجان التأمينات تزاول عملها في النهار، (أثناء الدوام الرسمي)، مما يسهل تقبل «الهدايا»، الرشى، من قبل عناصر هذه اللجان، حيث غالبية العاملين في الوردية الصباحية مشتركين بالتأمينات، ومؤمن عليهم حسب الأصول.
وعند سؤالنا عن قواعد البيانات الخاصة بالعاملين، الموجودة في المعمل، إن كانت اللجان تطلع عليها أم لا؟ قال:
يوجد قاعدتي بيانات بأسماء العمال وأوضاعهم، إحداهما حقيقية والأخرى مزيفة، مبرمجتان بطريقة معينة، بحيث تمحى قاعدة البيانات الحقيقية في السيرفر الأصلي، وتوضع قاعدة البيانات المزيفة في السيرفر المزيف، وذلك بكبسة زر فقط، كما أن معظم العمال المؤمنين، أجرهم التأميني 13500 ل.س، أي الحد الأدنى من الأجور، في حين أن راتبهم الفعلي قد يتراوح بين 21 و35 ألف ليرة، مع العلم أن أية زيادة تقرر من قبل الحكومة على الأجر، تضاف على الأجر التأميني بحكم القانون، ولكن دون زيادة فعلية على الراتب الذي يتقاضاه العاملين.
تدني متزايد للأجور.. وغياب الدور النقابي
عند السؤال عن موضوع اللجان النقابية، ضحك المدير مستهزئاً وتساءل: هل من المعقول في ظل هذا التهرب والاستغلال كلها، وهضم الحقوق للعمال، أن يكون هناك نقابة عمال أو لجنة نقابية، حقاً؟
يضاف إلى ذلك مشكلة الأجر، فرغم الارتفاع الجنوني للأسعار، وتدني القيمة الشرائية لليرة، أصبح العامل يعاني من تدني متزايد للأجور، فلا يزال العامل، في معمل مسالكو، يتقاضى بشكل وسطي 26 ألف ليرة (بما يعادل أقل من 100 دولار)، في حين أنه قبل الأزمة، كان يتقاضى 15 ألف ليرة (بما يعادل تقريبا 300 دولار)، ما يدل على أن الأجور تراجعت بشكل كبير، رغم أن أصحاب المعمل يبيعون منتجات المعمل من الألمنيوم، حسب قيمة الدولار المتغيرة.
التصريح أو التسريح
في هذا السياق، يشرح أبو محمد (أحد العاملين في هذه المنشأة)، عن معاناته قائلاً: أنا تهجرت من مخيم اليرموك، واستأجرت في جرمانا، (بيت لا يصلح للسكن)، لقاء 20 ألف ليرة شهرياً، وراتبي لا يتجاوز25 ألف، أي أني مجبر على العيش بـ5000 ليرة لبقية الشهر، ولدي أولاد، فكيف أطعمهم؟
ختاماً؛ لابد من الإشارة إلى أن الكثير من العمال، رفضوا التحدث إلينا، لشرح معاناتهم، والحديث عن حقوقهم المهضومة، بسبب خوفهم من الفصل والبقاء بدون عمل!
أليس من العجيب أن يتحول العامل إلى عبداً للخشية والخوف، من المطالبة بحقوقه؟ حرصاً على ألا يبقى دون عمل!
سؤال لم يزل برسم المعنيين!