عمال القطاع الخاص بين تهميشين؟
بعد مرحلة التأميم التي جرت في الستينات للمعامل والمنشآت الإنتاجية وتحول ملكيتها لقطاع الدولة، لم تكن هناك مشكله أسمها عمال القطاع الخاص، المشكلة بدأت بالظهور والتفاقم مع صدور قانون الاستثمار رقم (10) الذي أعلن من خلاله إشارة البدء للقطاع الخاص بالاستثمار الموسع، الكبير والصغير باتجاهات مختلفة.
كانت أغلب تلك الاستثمارات ريعياً «فنادق، عقارات وكالات تجارية..»، وهنا كانت نقطة الانطلاق في التأسيس للمرحلة القادمة التي تعمقت فيها العلاقات الرأسمالية المرتبطة بالسوق الرأسمالي العالمي، المتحكم بشكل ومضمون تطورها باعتبارها رأسمالية تابعة وهامشية لا تستطيع العيش والنمو خارج قوانين السوق العالمي، الذي تقرر مؤسساته المالية شكل ومضمون واتجاه الاستثمار الذي يخدم في النهاية مصالحها العميقة العابرة للقوميات.
اللبرلة مهدت لضرب الحقوق!
ضمن الواقع المشار إليه، تطور وجود عمال القطاع الخاص في منشآت خارج قطاع الدولة، وباتوا يخضعون لرب عمل جديد بمواصفات جديدة وشروط عمل مختلفة أيضاً، بالرغم من وجود قانون عمل موحد للجهتين، وهو قانون العمل رقم (91) لعام 1959، ومع هذا لم يكن هناك شروطاً متماثلة يخضع لها العمال في القطاع العام والخاص من حيث الأجور والحقوق والتعويضات والإجازات، فجميع هذه القضايا كان يقررها رب العمل الجديد مستنداً لما منحه إياه قانون الاستثمار.
لقد كان غياب النقابات الفعلي عن هذا القطاع، المتكون حديثاً بعد مرحلة التأميمات، مبنياً على أن النقابات تمثل عمال القطاع العام بشكل عام والكادر الأساسي ذو الأغلبية هو من القطاع العام، وبناءً على هذا الواقع لم يُعر عمال القطاع الخاص الاهتمام من حيث تنسيبهم للنقابات من أجل الدفاع عن حقوقهم ومصالحهم إلا بالسنوات المنصرمة، ولكنه بقي اهتماماً شكلياً ومرهوناً بسماح أرباب العمل للنقابات أن تنسب العمال العاملين لديهم مما زاد من تفاقم المشكلة وتطورها.
مشكلة قانون العمل رقم (17)
تفاقمت المشكلة أكثر مع صدور قانون العمل رقم (17)، الذي كان وبالتجربة قانوناً للتحكم والسيطرة على حقوق ومصالح العمال، ولا غرابة في ذلك، فهذا القانون متوافق مع النهج الاقتصادي المتبنى، أي «اقتصاد السوق»، الذي يجعل العقد شريعة المتعاقدين، في ظل غياب حقيقي للقوى المتبنية لقضايا العمال في مواجهة الشروط التي يفرضها أرباب العمل، وهم الأقوى بالنسبة للعمال الباحثين عن فرصة عمل، وإن كانت بشروط السوق المتوحش، حيث الخيارات أمامهم محدودة جداً في ظل غياب دور فعلي للدولة في التشغيل، والتخفيف من ظاهرة البطالة التي هي البيئة المناسبة لأرباب العمل والمستثمرين لشراء قوة العمل بشكل رخيص يؤمن لهم أعلى مستوى من الأرباح.
من التهجير إلى التسريح
الأزمة الوطنية العميقة التي نعيش فصولها، أظهرت إلى حد بعيد الدور الذي لعبته السياسات الليبرالية فيما يتعلق بمستوى معيشة وحقوق الطبقة العاملة السورية، وبفقراء الشعب السوري بالعموم، ولكن العمال هم الأكثر تأثراً بمجريات الأزمة، وخاصة عمال القطاع الخاص الذين شُرّدوا وهُجّروا دون أن يكون لهم سند يخفف من وطأة الأحداث عليهم، واستغل الكثير من أرباب العمل الأزمة ليتخلصوا من «الأعباء» كما يعبر عنها أرباب العمل، والأعباء تلك هي استمرار العمال في العمل.
في البداية جرى تخفيض أجور العمال، وخُفّضت ساعات عملهم، فلم يعودوا يعملون سوى بضعة أيام في الأسبوع، وبالنهاية يجري التسريح للكثير منهم ويقدرون بالآلاف، كما ذكر تقرير للنقابات، دون تعويض، في حين يقوم أرباب العمل إما بتحويل منشآتهم الإنتاجية إلى مراكز تجارية أو يقوموا بنقلها خارج سورية إلى الدول المجاورة.
المهمّة النقابية المُلحة
إن واقع عمال القطاع الخاص واقع مأساوي يحتاج إلى حلول إسعافية، وهو من مسؤولية الدولة والنقابات والتأمينات الاجتماعية، وعلى النقابات الاضطلاع بدور خاص بهذا الشأن حيث ينبغي تقديم التسهيلات والميزات التي تُمكنها من جذب عمال القطاع الخاص، وذلك عبر تكوين قناعاتهم بأن النقابات تشكل المقصد الذي من خلاله يجري الدفاع عن مصالحهم وحقوقهم دون الاعتماد على رضى أو رفض أرباب العمل، الأمر الذي يتطلب التوجه المباشر إلى العمال عبر الحوار معهم وإقناعهم بضرورة النضال النقابي كأحد أشكال الدفاع عنهم في مواجهة القوانين الظالمة والقهر المباشر والاستغلال القسري وهضم الحقوق.
ومن أجل انجاز هذه المهمة الوطنية التي ستساهم في تعزيز وحدة الطبقة العاملة السورية فإننا نقترح تشكيل:
1- لجنة مهمتها متابعة قضايا عمال القطاع الخاص من حيث التنسيب والأجور وعقود العمل ومستوى المعيشة، وتعديل أو تغيير القوانين التي أضرت بالعمال، وتنظيم وتوحيد نضالهم بما فيه حق الإضراب تحت إشراف قيادة الاتحاد العام.
2- إنشاء صناديق تعطّل عن العمل وصناديق مساعدة طارئة تستخدم أموالها عند الضرورة التي تقتضيها الحالة.