عمال للوطن... ولكن!

عمال للوطن... ولكن!

خضعت العديد من المناطق الهامة والحيوية في سورية لسيطرة أنواع المجموعات  المسلحة، جميعها وقد استثمر هؤلاء المسلحين بعض مؤسسات الدولة لتمويل عملياتهم الإرهابية، مستغلين البنى التحتية وتمركز عدد كبير من العمال العاملين في مؤسسات الدولة بتلك المناطق.

ليتجرع هؤلاء العمال السم مرتين، مرة من تجاهل الدولة لهم ونسيان أنهم عمال سوريون ولديهم حقوق، ومرة أخرى من المجموعات المسلحة التي تستخدم أساليب الضغط كلها عليهم  لإجبارهم على العمل لصالحها أو تفصلهم عن العمل لتوظف من يدين لها بالولاء.

ولكن ما يدعو للسخرية أن هؤلاء العمال ما دامت مناطقهم وقطاعاتهم الإنتاجية تعمل وهي خاضعة لسلطة الدولة تبقى رواتبهم ومستحقاتهم مضمونة ويستلمونها حسب الأصول، أما عند سيطرة تلك المجموعات عليها يصبح هؤلاء العمال الذين كانوا بالأمس القريب جنود الوطن محرومين من رواتبهم ومستحقاتهم بحجة وجود مناطقهم خارج سيطرة الدولة.

 دون التنبه أو الأخذ بعين الاعتبار أن العديد من هؤلاء العمال قد أمنوا بخبراتهم استمرارية عمل العديد من المؤسسات الهامة ليس إرضاءً للمسلحين بل لتستمر مؤسساتهم بخدمة المواطن السوري ليس إلا، والشواهد على ذلك كثيرة على امتداد  الوطن. 

قطع الأرزاق والأعناق

عمال الوحدات الاقتصادية في منطقة جرابلس التابعة للريف الشمالي الشرقي لمدينة حلب ظلوا منذ لحظات الأزمة الأولى ومنذ سيطرة الفصائل المسلحة على أنواعها مستمرين في أعمالهم ومحافظين على هذه المؤسسات، وعلى استمرارية خدماتها رافضين القيام باي عمل خارج إطار مؤسسات الدولة ومواظبين على إدارتها وتحملوا أعباء العمل، حتى تم قصفها بسلاح جو قوات التحالف الذين حرم المواطنين من خدماتها وهدد هؤلاء  العمال بالحرمان من مستحقاتهم ورواتبهم.

كذلك في مؤسسة كهرباء الرقة، فبعد تحول الرقة لمعقل لتنظيم  داعش الإرهابي في عام 2013 خرجت العديد من المؤسسات عن الخدمة،  كمؤسسات تابعة للدولة السورية، وفصل تنظيم داعش العديد من العمال ووظف عوضاً عنهم عمالاً من قبله، ونصّب أمراء أيضاً لإدارة هذه المؤسسات، ليبق موظفو مؤسسة الكهرباء وخاصة العاملين في الإدارة والخدمات التي تعنى بالجباية والاستثمار.

وقد مضى على آخر راتب تقاضاه عمال كهرباء الرقة منذ 26 شهراً حيث تقدموا بالعديد من الشكاوى لتحل ويفرج عن جزء من رواتبهم ويتقاضوها من مديرية كهرباء حماة تحت ضغوط وظروف مضنية، أما ما تبقى فلم تحل معضلته،  وإلى الآن لم نسمع أي تفسير لهذه الممارسات.

كذلك الأمر بعد سيطرة تنظيم داعش على سادكوب الحسكة، صدر قرار من محافظ الحسكة بتاريخ 5\7\2015 بوقف رواتب العاملين «وذلك لحين مراجعتهم لمديرية الرقابة الداخلية العامة للمحافظة، للتحقيق معهم في أسباب الانقطاع عن الدوام الرسمي بتاريخ 16\6\2015»، بحسب نص القرار، وربما تطول القائمة بأمثلة مشابهة.

تمجيد مع وقف التنفيذ

في الوقت الذي يمجد فيه صمود العمال لتصديهم للإرهاب بعملهم الجاد والحفاظ على مؤسسات الدولة كان بعض مسؤولي هذه المؤسسات أول الهاربين منها.

تأتي هذه الممارسات بحق عمالنا ليتركوا هكذا لمصيرهم، يعانون الفقر والجوع  في ظل واقع معيشي قاهر، ولسيطرة التنظيم ناهيك عن ارتفاع الأسعار، بحيث لا يستطيع هذا العامل الذي فقد مصدر رزقه  أن يؤمن له ولأسرته الغذاء ويستمر بالحياة بشكل طبيعي.

يبقى هؤلاء العمال مواطنين سوريين ومن واجب الدولة المحافظة عليهم من الناحية الوطنية، والسؤال الذي يطرح نفسه، ما مصير عامل فقد مصدر رزقه؟ 

إن حرمان هذا العامل من حقوقه وتجاهله بهذه الطريقة سيدفعه حتماً للبحث عن مصدر آخر للرزق تحت وقع المأساة ففي ظل الحديث عن الحل السياسي كخيار ملزم للنجاة بما تبقى من الوطن يجب التفكير باتجاه سحب أول وأهم مصادر العسكرة ألا وهو استغلال الواقع الاقتصادي.