من الأرشيف العمالي: من يملك يحكم

مع تصاعد موجة الحديث عن استئجار وتأجير شركات القطاع العام، تعود إلى الواجهة بحدة قضية مآل التطور السياسي والاجتماعي الاقتصادي في سورية والنتائج المترتبة عليه. فسورية التي تعد نفسها حتى هذه اللحظة دولة مواجهة مع المخططات الامبريالية الأمريكية والصهيونية في المنطقة، لا تستطيع أن تتعامل بتلك الخفة التي تعاملت معها أنظمة أخرى في قضية وضع قطاع الدولة ومستقبله. فالذي يسعى إلى رضى حكام العالم الحاليين، لابد له من تنفيذ طلباتهم لإثبات حسن نيته، للحصول على شهادة حسن سلوك.
أما الذي يهمه أمنه الوطني بالدرجة الأولى بمعناه الاقتصادي - الاجتماعي والسياسي، فإنه ينطلق من ذلك؛ ولابد له من رفض الوصفات التي يحاول البعض أن يرفضها علينا. وكي تسمى الأمور بمسمياتها، فإن موضوع الخصخصة، بغض النظر عن الشكل الذي يمكن أن يرتديه، إن كان بيعاً أو تأجيراً أو استثماراً هو ليس موضوعاً- كما يحاول البعض أن يوهمنا- متعلقاً بفعالية قطاع الدولة أو عدمه، أو متعلقاً بربحه أو خسارته، كما أنه في ظروف العالم اليوم ليس موضوعاً مرتبطاً بتحقيق أو عدم تحقيق درجة معينة تكبر أو تصغر من العدالة الاجتماعية، بل إن الموضوع قد تعدى ذلك إلى مجالات أخرى، لها نتائج بعيدة المدى وخطيرة إذا قسنا الأمور من زاوية المصلحة الوطنية العليا ومستقبل البلاد، فالخصخصة كما أثبتت تجارب كل البلدان التي سارت عبر هذا الطريق، هي أداة أساسية في إضعاف الأمن الوطني، وبالتالي إضعاف بنية الدولة والمجتمع.
فإذا كان القطاع الدولة بتطوره تاريخياً قد وسع السوق الوطنية، وكان عاملاً هاماً في توطيد الكيان الوطني، فإن فكفكته ستلعب دوراً معاكساً، وستؤدي موضوعياً إلى تضيق السوق الوطنية وإضعافها أمام الغزو الاقتصادي الخارجي الذي سيسهل عليه هضم ما سيبتلعه من اقتصادنا على حساب لقمة الشعب وثروة الدولة.
وخلاصة القول: إن قطاع الدولة رغم ما يمكن أن يقال عن سلبياته، هو قوة موحدة وجاذبة، أما الخصخصة، فهي خطوة إلى الوراء بالمعنى التاريخي، وتشكل قوة نابذة تقسيمية وغير موحدة بتاتاً بسبب الظواهر السلبية الاجتماعية التي ستخلفها وتعمقها وإذا استطاعت قوى الفساد أن تخصص قطاع الدولة قانونياً، فإن ذلك على المستوى العملي لن يعني إلاّ تراجعاً عاماً وشاملاً يصل لحد الانهيار في مستوى النمو والمعيشة وقضية البطالة.
ويبقى الحل فعلياً في استعادة قطاع الدولة الاقتصادي، أي المطلوب عملياً إعادة تأميم قطاع الدولة ووضعه في خدمة المجتمع والأجيال القادمة. وهذه العملية تعني في ظروفنا القضاء على الفساد والنهب الكبير الذي يطال الدولة والشعب، وفي ذلك ضمانة لكرامة الوطن والمواطن.

قاسيون العدد 267 أ أذار 2006