بصراحة: النقابات في ذكراها الـ77 ..
الثامن عشر من آذار عام 1938 يوم عبر فيه القادة الأوائل للحركة العماليّة والنقابيّة عن اكتمال توافقهم التنظيمي والسياسي في إطار منظم أسمه: «الاتحاد العام لنقابات العمال في سورية»
إطار يوحد نضالات الطبقة العاملة السورية التي كانت مشتتة ومبعثرة، تتجاذبها القوى السياسيّة المختلفة، مما بعثر إمكاناتها وجهودها في الدفاع عن حقوقها التي كانت تنكرها عليها قوى البرجوازية الوطنيّة الصاعدة، والقوى الأخرى المتوافقة بمصالحها مع استمرار بقاء الاستعمار الفرنسي، وتحمي مصالحها بقوانينه وقوة نفوذه العسكري والسياسي على الأرض، ولكن رغم فقد الطبقة العاملة لإطارها التنظيمي الجامع الذي يؤطر ويوحد حراكها المطلبي والسياسي، خاض العمال معاركهم المطلبيّة والوطنيّة التي راكموا من خلالها التجربة الضرورية التي أوصلتهم لأهمية أن يكون للحركة العمالية إطار تنظيمي يعبر عن مصالحهم الحقيقية، وهذا ما أسس لمرحلة جديدة وفهم جديد لطبيعة الصراع الجاري بين المستعمر الفرنسي وحلفائه المحليين، وبين الشعب السوري العظيم، الرافض لهذا الاحتلال، والمقاوم له بكل أشكال المقاومة المسلحة والمدنية، عبر المظاهرات والإضرابات والاعتصامات، مما جعل الحركة النقابيّة والعماليّة رقماً مهماً في ميزان القوى المواجه لقوى الاستعمار السياسيّة والاقتصاديّة، والمدافع في الوقت ذاته عن الحقوق والمكتسبات العماليّة عبر تبني أشكال مختلفة ومتنوعة لطرق النضال من الإضراب المفتوح إلى الاعتصام في مكان العمل وما بينهما من أشكال!!.
إن التطور النوعي في نضال الحركة النقابيّة والعماليّة استند إلى وعي مسبق لدى قادة الطبقة العاملة، بأهمية استقلالية الحركة بقرارها وآليات عملها، وأشكال نضالها عن أية هيمنة أو تدخل في شؤونها، بالرغم من وجود أعضاء لأحزاب سياسيّة في صفوفها لعبوا دوراً مهماً في قيادة الحركة، وتأسيس أهم نقاباتها ونقلوا إليها تجارب وخبرة الحركة العماليّة العالميّة، وساعدوها في صياغة مطالبها ودافعوا عنها وناضلوا معها.
سبع وسبعون عاماً من عمر الحركة المديد، مرَت خلالها بتحولات مختلفة تبعاً للواقع السياسي والاقتصادي وهذه التحولات كانت تملي عليها شكلاً ومحتوى الموقف المفترض اتخاذه تجاه حقوق ومصالح العمال، والأدوات المستخدمة في تحقيق المصالح والمطالب المطروحة، وما كان يحدد القدرة على اتخاذ الموقف في هذه القضية العماليّة أو تلك، درجة استقلالية الحركة وعمق تلاحمها مع القواعد العمالية في المواقع الإنتاجية. وإذا ما أخذنا التجربة الحديثة للحركة النقابيّة.. مرحلة سيادة السياسات الاقتصادية الليبراليّة وتبني اقتصاد السوق الاجتماعي «الاسم الحركي» لتلك السياسات التي مُررت تحت مسماه كل الموبقات الاقتصاديّة والاجتماعيّة، لوضحت أهمية أن تكون النقابات مستقلة في تكوين رؤيتها وخطابها، وخلق أدواتها المناسبة من أجل الدفاع عن الوطن وعن المصالح الجذريّة للعمال.