الطبقة العاملة السورية حاضنة الوحدة الوطنية
عبر التاريخ الوطني المجيد للطبقة العاملة السورية الذي صنعته بجدارة وجسارة عاليتين، انخرطت مبكراً في النضال الوطني العام الذي كان يخوضه شعبنا السوري العظيم من أجل حريته واستقلاله التام عن المستعمر، وفي مواجهة الأحلاف والمشاريع الاستعمارية التي طُرحت لإعادة سورية مرة أخرى إلى الهيمنة والسيطرة عليها، هذا النضال قد أكسب الطبقة العاملة الحصانة والمناعة في مواجهة دعوات التفتيت المختلفة،
بحيث أصبحت حقيقةً حاضنةً ومعززةً للوحدة الوطنية، وهذا التكون التاريخي ليس شيئاً عابراً أو مؤقتاً أو تكتيكياً، بل هو جزء أصيل من مكونها الفكري والسياسي والثقافي والطبقي، وبهذا تكون الطبقة العاملة مدافعاً حقيقياً عن الوحدة الوطنية، لأن في ذلك مصلحة عميقة مرتبطة بالمصلحة العليا للوطن، التي هي مصلحتها ولا يمكن أن تنحاز عنها، بل ستدافع عنها بكل ما تملكه من قوى وإمكانيات، وما تملكه شيء كثير تستطيع من خلاله حماية القضية الوطنية والدفاع عنها، وتدفع بها إلى نهاياتها المنطقية التي تؤمّن المصالح العامة للوطن، والمصالح الخاصة للطبقة العاملة، وهما لا انفصال بينهما من حيث الجوهر والمضمون.
لقد أكدت الطبقة العاملة كما تؤكد دائماً في المنعطفات المصيرية، على موقعها الأصيل الذي تميزت به بحفاظها على الوحدة الوطنية، والتي جزء منها وحدتها التنظيمية، التي دافعت عنها بجهدها ودمها منذ اللحظات الأولى لتشكلها ككيان مستقل، وبروز دورها كقوة وطنية أساسية لها وزنها السياسي والاجتماعي، وما كانت تستطيع أن تقوم بدورها الوطني الذي قامت به لولا وحدتها واستقلالية قرارتها وهذا مكنها من المشاركة الفعالة في النضال الوطني العام والنضال الطبقي من أجل حقوقها ومصالحها، وبهذا تكون الطبقة العاملة السورية هي الحاضن الحقيقي للوحدة الوطنية للمجتمع، في مواجهة المشاريع الاستعمارية الأمريكية الصهيونية التي تحاول الآن اللعب على المكشوف مستندة في عملها العدواني هذا إلى نقاط ارتكاز داخلية منها ما هو متكون تاريخياً، ومنها ما هو مصنوع حديثاً، بفعل السياسات الاقتصادية الاجتماعية التي لعبت الدور الأساسي في نشوء وتكون وتطور الاستياء الشعبي من تلك السياسات التي جرى تطبيقها على مدار السنوات الماضية، حيث فعلت فعلها داخل المجتمع وعمقت الفوارق والتمايزات الطبقية، من خلال النهب والفساد الواسعين، لدرجة أنه لم يعد بإمكان المجتمع التعايش مع هذه السياسات ولابد من إزالتها وإزالة ما أحدثته من أضرار مادية ونفسية، وهذه المهمة الوطنية الكبرى تحتاج إلى قوى لها مصلحة حقيقية في إزالة آثار الدمار الذي أحدثته تلك السياسات الاقتصادية الاجتماعية.
إن الطبقة العاملة السورية كانت أكثر المتضررين منها بسبب الهجوم الواسع الذي شنته الليبرالية على حقوق ومكاسب العمال، وأهم ما في ذلك حقهم بأجر عادل يؤمن كرامتهم، وحقهم بمكان العمل الذي يؤمن استمرارهم واستقرارهم ويمنع عنهم شبح البطالة المخيم على رؤوس العمال ويتهددهم بالتسريح في أية لحظة، وخاصة عمال القطاع الخاص الذين فُرض عليهم قانون عمل غير عادل وغير منصف ومنحاز لأرباب العمل وقوى السوق، وهنا لابد من الإشارة إلى أن قطاعاً واسعاً من القوى الوطنية بما فيها الكثير من الكوادر النقابية قد رفضوا ما جاء في القانون من مواد جائرة بحق العمال في القطاع الخاص.
إن الحركة النقابية الآن وفي ظل هذه الظروف تتحمل مسؤوليتها التاريخية تجاه الانعطاف نحو محاربة الفساد بكل أشكاله، والدفاع عن مصالح الطبقة العاملة وحقوقها المشروعة، والدفاع عن الاقتصاد الوطني والقطاع العام الصناعي والزراعي من خلال تبني برنامج إصلاحي حقيقي يجري العمل على تحقيقه لأن هذا سيؤدي بالضرورة إلى زيادة منعة الوطن ولتطوير قدرته على مقاومة المشاريع الاستعمارية التي تريد إعادة سورية إلى ما قبل الدولة الوطنية، مستفيدة من كل بؤر التوتر التي نبشتها من قبورها السياسات الليبرالية الاقتصادية والاجتماعية.
إن الطريق إلى ذلك واضح، ولا خيار لنا نحن العمال (صُناع الحياة) إلا طريق تعزيز الوحدة الوطنية، وتعزيز وحدة الطبقة العاملة، اللتين هما الصخرة التي ستتحطم عليهما القوى المعادية لوطننا في الداخل والخارج.