المطلوب نقابياً وعمالياً.. إعادة الوهج إلى القطاع العام الإنشائي من أجل البناء والإعمار!!
بات من الضرورة أن تتذكر الجهات الوصائية القطاع العام الإنشائي، هذا القطاع الذي ساهم خلال العقود الماضية بالدور الأساسي في النهضة العمرانية سواء تلك المتعلقة بالبنية التحتية كالطرق والجسور والسدود والمرافئ والسكك الحديدية، أو في بناء الوحدات المنتجة كالمصانع والمعامل، وكذلك في إشادة العديد من المدن السكنية وخاصة المدن العمالية التي كانت السند في استقرار الطبقة العاملة السورية.
القطاع المنسي
نعم، نقول الآن على الجهات الوصائية أن تتذكر هذا القطاع الذي بقي منسياً لسنوات عديدة.. وهو يعاني من صعوبات كانت تتفاقم وتتراكم عاماً بعد عام إلى أن أصبح عاجزاً ومشلولاً، ويبدو أن هذا ما كانت تريده الحكومات السابقة منذ أن صدرت القرارات التي أدت إلى انسحاب الدولة من الحياة الاقتصادية، تاركة المجال للقطاع الخاص لردم الفجوة، وقد أدى ذلك إلى نتائج عكسية، حين أثبت القطاع الخاص فشله في ردم هذه الفجوة طيلة السنوات الماضية.
الدور القادم
في الاجتماع الأخير لوزير الأشغال العامة مع مديري الشركات الإنشائية قال الوزير: «إن مساهمة الشركات الإنشائية العامة في الخطة الخمسية الخامسة قدرت بـ 50%، في حين تدنت في الخطة العاشرة إلى 22%، واعتبر الحضور بأن القطاع الخاص أثبت في هذه الأزمة أنه طفيلي، والعام أثبت جدارته بالرغم من كل شيء».
وإذا كان الوزير يؤكد بأن النسبة هي 22%، فأن الوقائع تثبت أن النسبة لم تكن أكثر من 10% على أبعد تقدير، وذلك لأن أكثر المشاريع الحكومية كانت تقدم للقطاع الخاص من خلال مناقصات مع الشركات الإنشائية ذاتها، وكان هذا القطاع يخوض عمله بكسر الأسعار للاستيلاء على المشروع، وفي أحيان عديدة كانت تقدم للخاص بالتراضي.
احتجاجات ومذكرات
النقابات العمالية «وهنا بيت القصيد» كانت وعبر سنوات طويلة ترفع المذكرات مطالبة بتقديم المشاريع الحكومية للشركات الإنشائية، وصدرت بلاغات عديدة تؤكد، وتطالب الجهات الحكومية بمنح نسبة من أعمالها إلى الشركات الإنشائية والتي قدرت بـ 30%، ورغم ذلك أكثر الجهات الحكومية لم تلتزم بهذه النسبة، والمفارقة العجيبة أن المشاريع التي كانت تحصل عليها الشركات الإنشائية من خلال عقود بالتراضي مع الجهات الحكومية كانت تقدم لمتعهدين أو مقاولين من القطاع الخاص، بل وكانت تقدم إلى هؤلاء الآليات، وأحياناً العمال أيضاً، ومن هنا ظهر الفساد الإداري بين مدراء وجهات وصائية من خلال المحاصصة، والنسب التي كانت تقدم لمدراء دون محاسبة أو مساءلة.
الشركات الآن
إن المطالبة بعودة الوهج إلى الشركات الإنشائية لإعادة البناء والإعمار في هذا الوقت أصبح واجباً، وذلك لإعادة بناء ما تهدم، أي علينا أن نتذكر الآن الشركات الإنشائية كما تذكرنا منذ بدء الأزمة والحصار في سورية القطاع العام الصناعي ومؤسسات التدخل كالخزن والاستهلاكيات وغيرها.
ولكن وقبل كل شيء علينا نفض الغبار عن المئات بل الآلاف من المذكرات التي رفعت إلى الجهات الوصائية وتطالب بالإصلاح ووضعت في الأدراج دون حل.
خالد الخضر رئيس الاتحاد المهني لعمال البناء يقول: في هذا الصدد الشركات الإنشائية تعاني من صعوبات مزمنة، وقد أكد الخضر أن: اتحادنا والنقابات بشكل عام وعبر سنوات من خلال المؤتمرات والمذكرات التي رفعت على معالجة صعوبات هذه الشركات، وتأمين مستلزمات عملها.. وأكدنا على ضرورة المراجعة والمعالجة ووضع الحلول العديدة للمصاعب العالقة والمعوقات لتطوير هذا القطاع الهام والحيوي للاقتصاد الوطني.
ونتساءل هنا: عن عملية الدمج التي جرت قبل سنوات هل كانت بهدف الإصلاح أم لأهداف أخرى؟
يقول رئيس الاتحاد في هذا الصدد: لم يجر تقويمٌ لعملية الدمج، ولم تدرس نتائج هذا الدمج، وبالتالي لم تنفذ بالكامل، ولم تؤدِّ عملية الدمج لمعالجة قضايا أساسية ومهمة.
عمالية واقتصادية
لم تتحسن الأوضاع المالية، ولم تسدد الرواتب والأجور المتراكمة، ولم يتم تحديث وتجديد الآليات والمعدات لرفع وتحسين وتيرة العمل، ولم تستطع الجهات المسؤولة تأمين المواد اللازمة لتنفيذ المشاريع الإنشائية في الوقت المحدد.
أيضاً لم يكن هناك التنسيق المطلوب لإعطاء الشركات الإنشائية عقوداً بالتراضي، وتأمين جيهات عمل كافية للشركات، وكذلك مازال الأمر يتطلب المرونة في عمل الشركات والمحاسبة أيضاً، والسماح باستخدام اليد العاملة على كل مشروع وفق متطلباته، ومعالجة وضع العمالة بتثبيت العاملين الذين مضى على استخدامهم أكثر من أربع سنوات مع الحفاظ على الحقوق المكتسبة من تأمين الطبابة والحقوق الأخرى. وأيضاً محاسبة كل مشروع على أنه وحدة اقتصادية وضمان تأمين مستلزمات الإنتاج والتنفيذ بمواعيده وبجودة عالية.
وقد طالب الاتحاد بأن يتم بحث واقع القطاع العام الإنشائي وشركاته بشكل متكامل إنطلاقاً من أسباب المصاعب، وإعادة هيكلة هذه الشركات وفق متطلبات العمل، وأن تتم المعالجة في إطار رؤية استراتيجية مستقبلية لوضع هذا القطاع ضمن بنية الاقتصاد الوطني.
المطالب العاجلة
هناك تشابكات مالية وديون متراكمة على بعض الشركات، وعمال يجهدون لقبض رواتبهم الشهرية كل عدة أشهر، والمطالب العاجلة تتخلص في:
إطفاء ديون الشركات وفوائد الديون واعتبارها مسددة حكماً.
تنسيق الآليات المستعملة وبيعها ووقف اقتطاعات وزارة المالية.
إقرار مبدأ كل مشروع وحدة اقتصادية.
السماح للشركات بالاستلاف المتوسط والقصير الأجل وبفائدة محدودة لدعم صندوق الرواتب والحاجات الطارئة والإقرار بمبدأ إبقاء هامش ربح وعدم تحريك حساباتها وكذلك إبقاء جزء من السيولة المالية للشركات لحين الطلب في صناديق خاصة للرواتب.
ولكن أولاً
وقبل كل شيء الإصلاح الإداري أولاً، وهذا الإصلاح ليس بحاجة إلى مراكز تدريب وتأهيل، إنه بحاجة إلى قرار سياسي، وذلك بأن يتم تعيين الإدارات ليس على قاعدة الولاء السياسي والحزبي، أو بترشيح من جهات ليست لها علاقة بالشركات الإنشائية أو العمل الإداري مع البدء مسبقاً باجتثاث الفساد الذي أوصل الشركات الإنشائية بشكل أساسي إلى الانهيار، اجتثاث الفساد والروتين والبيروقراطية وفق أسس ممنهجة تشارك بها جميع قوى الحراك السياسي.
إن السؤال الذي يطرح نفسه بقوة هو: لماذا ترك القطاع العام الإنشائي يتردى وينهار يوماً بعد آخر، وهو الذي يضم عشرات الآلاف من العمال؟ ولماذا لم تتخذ الإجراءات الحاسمة لحل معضلاته؟ لقد اغتنت فئات عديدة من خلاله دون محاسبة أومساءلة، لذلك ترك لمصيره بعد أن كان البقرة الحلوب لفئات عديدة إدارية وغير إدارية.