الأول من أيار..  أولويات الطبقة العاملة

الأول من أيار.. أولويات الطبقة العاملة

استطاعت الطبقة العاملة السورية أن تجعل الأول من أيار يوماً من أيامها الوطنية تحتفل به وترفع مطالبها، وهذا اليوم ما كان له أن يصبح يوماً وطنياً لولا التضحيات الكبيرة التي قدمتها الطبقة العاملة السورية خلال عقود من عمرها الكفاحي، حيث صنعت وصاغت مطالبها وبرنامجها باتجاهين لا انفصال بينهما:

الاتجاه الأول، ناضلت منذ نعومة أظافرها، وقت كان عودها مايزال غضاً، في مواجهة قوانين الاستعمار الفرنسي، الذي كان يمنع العمال من تأسيس نقاباتهم المستقلة، ويقف في وجه مطالبهم المحقة التي كان يطرحها العمال، وأهمها: ثماني ساعات عمل، وأجر عادل متناسب مع ما يقدمونه من جهد وعرق.. وقد قاموا بالإضرابات والاعتصامات، والمظاهرات في دمشق وحمص وحلب وحماة وغيرها من المدن... مؤكدين انتماءهم الوطني ومطالبهم الطبقية المشروعة، ومتضامنين فيما بينهم من أجل مطالبهم تلك، وهذا ينسحب حتى على الفترة التي أنجز فيها أبطال الاستقلال طرد المستعمر الفرنسي، أي في ظل الحكومات الوطنية التي سارت بالاتجاه نفسه الذي ينكر على العمال حقوقهم ومطالبهم.

الاتجاه الثاني: قيام الطبقة العاملة السورية بالاشتراك الفعلي بالنضال الوطني ضد المحتل، حيث لعبت دوراً هاماً من خلال الإضرابات الواسعة التي كان الشعب السوري وقواه الوطنية يقومون بها، مطالبين بالاستقلال التام، السياسي والاقتصادي والثقافي.. في هذه الظروف الوطنية نشأت، وترعرعت الطبقة العاملة السورية وقوي عودها، واكتسبت خبرة كبيرة في النضال الوطني والطبقي وأصبحت قوة سياسية واجتماعيه كبيرة في البلاد.

إن الطبقة العاملة السورية مازالت قوة هامة سياسياً واجتماعياً بالرغم من المحاولات الكثيرة التي نجحت مؤقتاً في مصادرة دورها واستقلاليتها، حيث انعكس ذلك على قدرتها في الحراك من أجل الدفاع عن مصالحها وحقوقها ومكتسباتها التي تحققت خلال عقود.

لقد وعت كل من البرجوازية البيروقراطية والطفيلية مبكراً، أهمية احتواء الطبقة العاملة وتقييد حريتها والضغط على استقلالية قرارها، لذا لجأت إلى أساليب عدة لإتمام ذلك، تارة بالترهيب وأخرى بالترغيب، من خلال الفتات الذي كان يلقى تحت شعار زيادة الأجور، التي كانت ومازالت تتبخر مباشرة بسبب ارتفاع الأسعار، وبهذا يفقد العمال، بل يخسرون جزءاً من أجورهم الحقيقية في كل مرة تجري فيها زيادة للأجور، لأن تلك الزيادة تأتي من مصادر تضخمية وليس من مصادر حقيقية عبر توزيع عادل للثروة والموازنة بين الأجور والأرباح.

لقد استولت قوى السوق والنهب تاريخياً على الأرباح بشكل جائر، وتسببت بوصول الفقراء والطبقة العاملة إلى مستوى معيشي رديء، وقد استمر هذا الوضع المعيشي المتردي واستمر نهب قوى السوق لقوة الطبقة العاملة زماناً طويلاً، دون أن تستطيع الطبقة العاملة الرد على هذا النهب الجائر، لأنها مقيدة بحركة نقابية صاغت قانونها وبرنامجها وحراكها وفقاً لمعايير لم تعد صالحة منذ عقد من الزمان على الأقل، خاصة في ظل غلو القوى الليبرالية في برنامجها التدميري للاقتصاد الوطني ولحقوق الفقراء والطبقة العاملة، ذاك البرنامج الذي ساهم مساهمة حقيقية في تكون الاستياء والغضب الشعبي الذي جاء التعبير عنه في الحراك الشعبي السلمي الجاري في الشارع اليوم، مطالباً بإصلاحات حقيقية سياسية واقتصادية واجتماعية وديمقراطية، هذه المطالب التي غيبت لعقود، وأهمها الحق بالعمل الذي يؤمن الكرامة، والحق بمحاسبة «الحرامية» والناهبين والفاسدين، والحق بأجر عادل يؤمن مستوى معيشياً يعزز المواطنة بالوطن الموحد، ولا يشعر فيها العامل بأنه مواطن متسول على أبواب الحكومة، طالباً لمعونة لا تسمن ولا تغني من جوع.. والحق بأن لا يعتقل صاحب الرأي لرأي يصرح به أو يدافع عنه، طالما أن ذلك الرأي تحت سقف الوطن والدستور، الحق بأن يعمل دون تقديم دراسة أمنية عنه يُسأل فيها عن أخواله وأعمامه، وإخوانه وأخواته وأقاربه المتوفين والأحياء وانتماءاتهم السياسية وأفكارهم ومعتقداتهم، حقه أن يتظاهر بشكل سلمي وهو مطمئن أن لا بندقية ستوجه إلى صدره العاري، ولا قنابل مسيلة للدموع يُقذف بها، وعصا تأكل من جسده وتبقى شاهداً على مظاهرته (النكراء)، وحقه بتعليم أبنائه وعلاجهم وتأمين سكن لهم.

إن الطبقة العاملة وهي تطالب بحقوقها المشروعة هذه، فهي بالوقت نفسه مدافعة صلبة عن الوطن، مقاتلة من أجل أن يبقى حراً مستقلاً في مواجهة أي عدوان خارجي أو داخلي، وتاريخها المجيد يشهد لها بذلك.

تحية لشهداء الوطن.. تحية لشهداء الطبقة العاملة.

تحية إلى الطبقة العاملة السورية بعيدها الأممي..