التقرير الاقتصادي العمالي: المؤشرات الكلية والناتج المحلي في تراجع (1 - 2)
قدم الاتحاد العام تقريره الاقتصادي لاجتماع المجلس العام لنقابات العمّال من أجل أوسع نقاش وفيما يلي الجزء الأول من التقرير الذي سننشره على جزأين، حيث يؤكد في مقدمته أن الاقتصاد السوري خلال فترة الخطتين التاسعة والعاشرة حقق معدلات نمو مادية جيدة إلا أن الوجه الآخر لهذا النمو تضمن اختلالات هيكلية وتضخيماً في القطاعات الريعية والمالية والمضاربات العقارية، على حساب قطاعي الزراعة والصناعة التحويلية
كما شهدت هذه الفترة اتساعاً غير مسبوق في أنشطة وحجم القطاع غير المنظم، وانخفاضاً في إنتاجية قطاعات الإنتاج السلعي، عدا عن الارتفاع في تكاليف المعيشة، وفي معدلات البطالة والفقر، وازدياد في التهرب الضريبي والجمركي، وزيادة حصيلة الضرائب غير المباشرة على حساب المباشرة.
عدا عن تراجع في كفاءة القطاع العام، ومعاناة بيئة الأعمال من ممارسات الاحتكار والفساد في ظل غياب الشفافية، وعدم المساءلة، وبالتالي لم تنجح الكثير من محاولات الإصلاح الإداري والاقتصادي والمؤسسي، وخاصة تلك المتعلقة بالقطاع العام الاقتصادي، بينما تسارع تطبيق السياسات التحريرية التي لها دورٌ سلبي على قطاعات الإنتاج الحقيقي السلعي.
فبعد ارتفاع استثنائي لأسعار النفط وأزمة غذائية عالمية (2007)، وبعد أزمة مالية اقتصادية عالمية حادة (2008) لم يخرج العالم من آثارها السلبية حتى الآن، تلتها عدة مواسم جفاف وسنوات عجاف، وإذا أضفنا السيرورة التنموية في الإطار الموضح أعلاه، والتي اتسمت بالتضارب بين النمو الجيد في المؤشرات المالية والمادية، والنمو غير المرضي في المؤشرات النوعية والاجتماعية المستدامة، دخل القطر العربي السوري في نفق الأزمة الراهنة التي لم تقتصر آثارها السلبية على الأداء الاقتصادي والخسائر المادية فقط، بل تعدّتها إلى تداعيات اجتماعية خطيرة ومديدة، ليس من السهل على الأجيال الحالية والقادمة تجاوزها إلا بمعاناة قاسية لم يشهدها الاقتصاد، ولم يعشها المجتمع السوري من قبل.
وفي سياق هذا التقرير سيتم تناول العناوين الآتية :
أولاً : تراجع المؤشرات الكلية
1- تراجع وخسائر الناتج المحلي الإجمالي : تراجع الناتج عام 2011 بنسبة 3.7%، واستمر بتقلصه عام 2012 بنسبة 18.8% وتقدر الخسائر في هذا الناتج لغاية نهاية عام 2012 بحوالي 24.1 مليار دولار، وهذا ما يعادل حوالي 45.7% من ناتج عام 2010، وكانت الخسارة الأكبر في قطاع السياحة، والتي قاربت حد الانهيار، حيث قدرت خسائره بحوالي 175 مليار ل.س، إلى جانب أنشطة وإنتاج الصناعة التحويلية والصناعة الاستخراجية، وقطاع النقل التي كانت ولا تزال الأكثر تأثراً بالأزمة، خاصةً وأن المنشآت الصناعية والنفطية كانت الأكثر تعرضاً للسرقة والتخريب، إضافة لآثار العقوبات الاقتصادية الشاملة، وانسحاب معظم الشركات الأجنبية العاملة في مجال النفط، عدا الآثار السلبية والمعيقة التي تسببت بها هذه العقوبات من تقييد على تعاملات وتحويلات المصارف والتجارة الخارجية، ومعاملات التأمين والنقل، والشحن والاتصالات.
2- تراجع مؤئرات قطاع السياحة وأنشطة الخدمات : لقد تسببت الأزمة بانخفاض كبير في عائدات تجارة الخدمات بشكل عام، وفي دخل الأنشطة السياحية بشكل خاص، حيث انخفض فائض رصيد تجارة الخدمات من (3.86 مليار دولار في عام 2010) إلى أقل من (100 مليون دولار في عام 2011)، ليستمر بانخفاضه إلى عجز عام 2012 الذي بلغ حوالي (2 مليار) أي ما يعادل حوالي (5.4%) من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي.
3- تقلص الطلب العام والخاص : إن تقلص الطلب عموماً يؤدي إلى انكماش السوق، وبالتالي إلى بطء العجلة الإنتاجية، وتراجع الحركة التجارية الداخلية والخارجية، وبغياب الأرقام المتعلقة بتراجع الطلب الحكومي والقطاع العام، تشير الأرقام المتوفرة إلى تقلص الاستهلاك الخاص بشكل كبير حوالي (42%) من إجمالي الخسائر في الناتج المحلي الإجمالي المشار إليها أعلاه.
4- تراجع الاستثمار العام والخاص : إن تراجع الاستثمار العام جاء نتيجة للتركيز على تمويل الإنفاق الجاري بسبب العجز عن تغطية اللازم من كليهما، حيث شكّل هذا التراجع حوالي (22%) من إجمالي الخسارة في الناتج المحلي الإجمالي، مقابل (30%) شكّلها تراجع الاستثمار الخاص، حيث لم تبلغ نسبة الاستثمار لكليهما سوى ما يعادل (7%) من الناتج، وهي لا تغطي أصلاً نسبة اهتلاك رأس المال الذي يزيد عن (10%) من الناتج، أي أن الاستثمار الصافي كان سالباً، مما يعني عبئاً ثقيلاً لمستقبل عملية التنمية الاقتصادية في السنوات القادمة.
ثانياً : واقع المالية / السياسة و المصرفي
تعاني خزينة الدولة من عجز مالي كبير، تفاقم خلال الأشهر الأخيرة للأزمة، وخاصة في ظل ضعف الإيرادات الناجمة عن إيرادات النفط وضرائب الدخل الحقيقي، وحصيلة الرسوم الجمركية والخدمات الحكومية، في الوقت الذي تضاعفت فيه الأعباء والإعانات الحكومية، وازدادت خسائر المؤسسات العامة، ارتفعت الأعباء لمواجهة تحديات الأزمة ومستلزمات معالجتها أو الحد منها. فقد ارتفع عجز الموازنة خلال العامين الأخيرين من (3.8%) من الناتج المحلي الإجمالي عام 2010 إلى (10.1%) عام 2012، وتفاقم عبء الدين العام عام 2012 ليبلغ (40%) من النتج مقارنةً بـ (23%) عام 2010، لذا تعمل الجهات الحكومية في إطار سياسة إنفاق انكماشية تركز حصراً على الإنفاق الجاري على حساب الإنفاق الاستثماري، وكلاهما في حدودهما الدُنيا.
وبشكلٍ موازٍ لذلك انكمش العمل المصرفي العام والخاص إلى حد التوقف الكامل للمصارف الخاصة عن الإقراض، والاقتصار لدى المصارف العامة على بعض أنواع القروض الاستهلاكية، التي بدورها تستمر حيناً وتتوقف في أحيان أخرى. وفي الحين الذي يعاني فيه القطاع المصرفي من ضعف النشاط التسليفي نتيجة ظروف الأزمة، وارتفاع المخاطر وظروف عدم التأكد، يعاني هذا القطاع أيضاً من قلة الإيداعات وضعف السيولة، ومن شبه توقف من العملاء في تسديد أقساط القروض والالتزامات، خاصة من التعثر الحاصل لدى كبار المستثمرين الصناعيين، وفي أنشطة القطاع السياحي، وهذا لا تقتصر آثاره السلبية على الوضع الراهن فحسب، بل ستمتد لتضعف القطاع المالي خلال الفترة القادمة، والذي بدوره سينعكس ضعفاً في إمكانات الدعم المالي لعملية التنمية بشكل عام.
ثالثاً : الزراعة
يعد القطاع الزراعي على رأس القطاعات المتضررة من الأزمة، وبالرغم من عدم توفر الأرقام الإحصائية الدقيقة، إلا أن استقراء وضع هذا القطاع، ومستوى أسعار المنتجات الزراعية النباتية والحيوانية، يشير إلى التراجع الكبير في الإنتاج على كل المستويات، ونلمس ذلك خاصةً في المحافظات التي تشهد أريافها توتراً وأحداثاً أمنية، فلم يشهد القطاع الزراعي أي نمو خلال عام 2012، على الرغم من تحسن الظروف المناخية، ويتوقع تراجعه بشكل ملموس خلال العام الجاري، وخاصة بسبب صعوبات النقل والتنقل والشحن، وفي تأمين المحروقات والمستلزمات الزراعية التي ارتفعت أسعارها بشكل كبير.