يا عمال مصر احذروا الدستور الجديد!!
فاطمة ابراهيم فاطمة ابراهيم

يا عمال مصر احذروا الدستور الجديد!!

فقد فاق ما فعله مبارك من الاعتداء على العمال وحقوقهم، لذلك لجأنا إلى لغة التحذير في الكتابة لروع ما وجدناه في مسودة الدستور ليس فقط من انتقاص لحقوق العمال، وعدم ضمانها بأي شكل من الأشكال

ولكن لكونه لا يكتفي بالسير على نهج وسياسات حسني مبارك، سياسات الليبرالية الجديدة التي خربت الصناعة المصرية عن طريق الخصخصة والفساد، فوجدنا عمالاً يعملون مؤقتين حتى الوصول لسن المعاش، وليس لديهم معاش. ووجدنا استمرار الفصل التعسفي، وتقنين عمالة الأطفال في السن الإلزامي، وزيادة على كل ذلك وجدنا تقنين وتكريس المسودة لعدم عدالة الأجور، والانحياز الواضح للمستثمرين، وإهدار حق التقاضي.

كما أن مسودة الدستور التي بين أيدينا، والتي يطلبون منا الذهاب للاستفتاء عليها، لم تكتف بكونها استمراراً لسياسات مبارك، بل أن بها ملمحاً هاماً خاصاً بالتراجع حتى عن حقوق العمال القليلة التي كانت موجودة، مثل نسبة تمثيل العمال والفلاحين في مجلس الشعب، كذلك تعمل المسودة على إهدار مكتسبات العمال ما بعد الثورة، وأهمها حق التنظيم دون تدخل من أحد، والعمل على إضعاف النقابات المستقلة التي تكونت بعد الثورة، والحرص على الحفاظ على اتحاد عمال مصر ببيروقراطيته وبنيته الهرمية حتى يظل أداة النظام داخل الطبقة العاملة، كذلك عودة التوسع في المحاكمات العسكرية على عكس ما نؤمله جميعاً، وهو محاكمة المدنيين أمام محاكم مدنية، وليست عسكرية، وفيم يلي بعض مما رأيناه:

إهدار لحق العمل

اعتدت نصوص مسودة الدستور بصورة واضحة على حق العمل. فقد تم ذكره في مادة واحدة وهي المادة 64، والتي تحفل بالعديد من النواقص نبينها فيما يلي:

فلا يوجد إلزام للدولة بتوفير العمل لكل مواطن، ولم ينص على إعانة بطالة للمتعطلين، وهو ما يعد مخالفاً لكل المواثيق الدولية، والاتفاقيات التي وقعت عليها مصر.

ولم تعتد المسودة على حق من لا يجدون عملاً فقط، بل اعتدت على حق من يعملون أيضاً، فقد أجازت الفصل بقانون، وكلنا يعرف أن قانون العمل الحالي قد مكن أصحاب الأعمال من الفصل بشكل متعسف للغاية، وبالذات في الحالات التي يمارس فيها العامل حقه في نشاط نقابي أو في الإضراب أو غيره من الأنشطة التي تندرج تحت النشاط النقابي.

كما أجازت المسودة عمل الأطفال حتى في سن التعليم الإلزامي طبقاً لما ورد في المادة 70. والأخطر من هذا أنها تفتح الباب واسعاً أمام تقنين العمل الجبري، رغم محاولات القضاء عليه في العالم كله.

عدم عدالة الأجور

إن منظومة الأجور في مصر منظومة ظالمة، لدرجة أنها معيقة حتى للتنمية، وقد أتت مسودة الدستور لتربك الوضع وتجعله أكثر تعقيداً، وعلى الرغم من المطالبات العمالية منذ سنوات بوضع حد أدنى للأجور يكفي سلة الاحتياجات الأساسية من مسكن وملبس وتعليم وعلاج وترفيه، فإن المادة 14 من المسودة لم تضمن ذلك.

كذلك فإن النص على ربط الأجر بالإنتاج في الحالة المصرية يفتح الباب واسعاً أمام زيادة التعسف ضد العمال، ويؤدي إلى حرمانهم من أجورهم في الحالات التي يذهب فيها العامل للعمل ويكون مستعداً له، بينما صاحب العمل هو من يعطل العمل، وفيما يخص الأرباح على الرغم من كون المسودة قد أقرت حق العمال بالأرباح، إلا أنها لم تنص على تحديد نسبة معينة، مما يعرض حق العمال للانتقاص من الناحية الفعلية.

انحياز للمستثمرين

ورد في نص مسودة الدستور أربع مواد وهي أرقام 21 و24 و29 و30 تؤكد جميعاً على صيانة الملكية الخاصة، وحظر، وعدم جواز فرض الحراسة أو نزع الملكية أو التأميم أو مصادرة الأموال إلا للصالح العام، وبموجب قانون ومع التعويض العادل مقدماً.

ففي ظل الوضع الحالي المرشح للتفاقم، حيث تُغلق المصانع بالمئات ويُشرد مئات الآلاف من العمال، وُحرمان العمال من أجورهم لشهور بل لسنوات، وفي معظم الحالات يكون المستثمر قد انتفع بكل الامتيازات والإعفاءات، وقد يكون مديناً للبنوك العامة بالملايين، فهل ننحاز لحق العمال المصريين والشعب المصري، فنسترد ما سرق منه، أم ننحاز للسارق؟!.

حق التقاضي

إن الانتقاص من استقلالية القضاء، أو الانتقاص من ضمانات حماية المحامين مثلها في ذلك مثل الانتقاص من حماية الصحفيين ضد الحبس، وجميعها تؤثر تماماً على العامل وحقه، سواء في التقاضي عندما لا يبقي أمامه طريق غيره، أو الإعلام الذي يساعده في نشر قضيته.

ولكن هناك ضرراً مباشراً على العمال ورد في نص المادة 79، التي قصرت العقوبة على الموظف العام فحسب في حالة تعطيل تنفيذ الأحكام، إذ أن العمال كثيراً ما يحصلون على أحكام من القضاء برد حقوقهم المسلوبة، ولكنهم يعجزون عن تنفيذ هذه الأحكام لغياب ما يلزم صاحب العمل على الانصياع لهذا الحكم.

الممارسة الديمقراطية

تسفر المواد المقترحة في مسودة الدستور عن اعتداء واضح على حق العمال في تأسيس نقاباتهم بحرية، وكذلك حق غيرهم من الفلاحين والصيادين والحرفيين والمهنيين، فعلى الرغم من نص المادة 52 من المسودة على أن حرية إنشاء النقابات والاتحادات والتعاونيات مكفولة، إلا أنه لم يتطرق لطريقة إثبات تأسيس النقابات، مما يجعل مصيرها معلقاً في الهواء بغير غطاء شرعي، فقد أسقط جملة «بمجرد الإخطار»، والتي وردت في المادة 51 الخاصة بالجمعيات والأحزاب، ومن غير المفهوم حرمان النقابات مما حظيت به الجمعيات والأحزاب، اللهم إلا إن كان الغرض هو تقييد التنظيم النقابي، وإعاقة إثباته القانوني، وبينما اعترفت المسودة بحق التعدد للأحزاب والجمعيات الأهلية، وأوردت في متن الدستور مرتين ما يفيد ذلك، ففي ديباجة الدستور (صفحة 3)، و في المادة 6 ،، لم تتطرق بأي صورة لحق التعدد النقابي، وكفالته، ومن أثر ذلك أن يسود تفسير ضيق يمنع العمال من حرية تنظيم عملهم النقابي على نحو تعددي حر.

كما تجيز المادة 52 حل النقابات بحكم قضائي، وهو ما يهدد الحرية النقابية، ويمثل تعدياً واضحاً على معناها، بما يمثل ردة عما كان في دستور 1971 الذي قصر الحل فقط على مجالس الإدارات دون النقابات نفسها، إذ أن الحق في حل النقابة يخص أصحابها من العمال وجمعيتهم العمومية، وليس لأي سلطة أو جهة أخري أياً كانت.

وعلاوة على ما سبق فإنه من الواضح أن الدولة والقائمين على صياغة المسودة كانوا حريصين على الإبقاء على اتحاد عمال مصر كما هو ببنيته النقابية الهرمية، والتي تعاني الكثير من المشاكل، والتي أدت إلى تحول هذا الاتحاد لأن يصبح ممثلاً للدولة وليس العمال. وكان لافتاً أن صدر القانون رقم 97 لسنة 2012، والخاص بتعديل بعض أحكام القانون رقم 35 لسنة 1976 بإصدار قانون النقابات العمالية، والذي تم نشره في الجريدة الرسمية يوم 24 نوفمبر، وأتت المادة 236 من مشروع الدستور لتحصن هذا القانون من الإلغاء.

ثمة انتهاك واضح آخر لحق العمال في ممارسة الإضراب السلمي كما ورد واضحاً في المادة 64 من المسودة، والتي نصت على: «.. والإضراب حق، وينظمه القانون»، وعهدنا بقانون العمل أنه وضع شروطاً للإضراب جعلته من الناحية العملية والمستحيل سواء، ولولا أن العمال المصريين لم يلتزموا بهذه الشروط المجحفة، لما رأينا إضرابات، ولا اعتصامات مطالبة بالحقوق.

إفتاءات تشريعية

لقد حرم العمال والفلاحين من حق كان مستقراً لهم بصفتهم الطبقات الأضعف في المجتمع ،وهو نسبة الـ 50% عمال وفلاحين في المجالس التشريعية، إلا لمرة واحدة، وهي الانتخابات التالية للدستور مباشرة فقط كما جاء في المادة 229، ويعد هذا تراجعاً عما كان في دستور 1971.

أما عن تعريف مسودة الدستور للعامل فقد جاء فضفاضاً وعاماً للغاية بالنص مما يتيح لرؤساء مجالس الإدارة والمديرين والوزراء أن ينتحلوا تمثيل العمال، دون أن يعبروا عن مصالحهم بحق.