أنقذوا «شنيتزل»!!
دوت صفارات الإنذار في كل مكان، هرعت الجموع الخائفة إلى أقرب ملجأ، توقفت السيارات على الطرقات وخرج الناس منها معولين دون تكبد عناء إقفالها و«انبطحوا» على جانب الطريق، أصبح الأمر اعتيادياً بالنسبة للجميع، إلا لـ«شنيتزل»،
القطة الأليفة من إحدى ضواحي تل أبيب، فهي آثرت البقاء في بيتها الخشبي على شجرة الحديقة، وعلى الرغم من أن بيتها ذاك قد قسمته شظية من شظايا الصواريخ الفلسطينية، إلا أنها بقيت على قيد الحياة، لقد ساهمت «القبة الحديدية» للجيش الإسرائيلي بتحطيم الصاروخ الأصلي إلى شظايا، ولم تفقد «شنيتزل» أيا من أرواحها التسع، وستهرع إلى منزل أصحابها لتهدئ روعها بصحن دافئ من الحليب!
كن، لماذا أحدثكم اليوم عن هذه القطة اللعينة، فأكثر من 150 فلسطينياً، حتى الساعة، قد استشهدوا بصواريخ الحقد الإسرائيلي، دماء ودمار في غزة المحاصرة، وصمت عالمي لا يحرك ساكناً أمام هذه الإبادة الجماعية الوقحة، لهيب النار يلتهم ذلك السجن الجماعي الكبير في كل ساعة من كل يوم.
ومع ذلك، يتصدر خبر «شنيتزل» صحيفة «جيروزاليم بوست»، «القطة التي انتصرت على صواريخ حماس» كما عنونت بالخط العريض، مما يدفعنا للغوص أكثر في الطريقة التي يتعامل فيها الإسرائيليون مع هذا الوضع، مع طريقتهم الخاصة في تشويه الأمور لإيهام المتابعين، لنصطدم بأمور غريبة عجيبة، تثير الضحك والغثيان في الوقت ذاته ، وربما لن تسمع بها في مكان آخر.
لم يبدأ الأمر عند «شنيتزل»، تلك القطة البريئة الجميلة، التي أصبحت بطلة «الحرب الإسرائيلية»، والتي ظهرت في تسجيل مدته 12 ثانية لإحدى كاميرات المراقبة في الحي، يظهر هذه «البطلة» وهي تقفز من بيتها الخشبي قبل أن تقسمه شظية أحد الصواريخ الفلسطينية، تهرع القطة إلى مالكيها على الفور، الذين لم تكلف الصحيفة نفسها حتى عناء مقابلتهم، وهنا يتساءل البعض كيف عرفوا أنها تدعى «شنيتزل»؟!.. لا يهم، فالاسم تقليدي ومحبب، وسيبدو جذابا للقراء بلا شك! لكن، وبما أن الصواريخ الفلسطينية لا تقوى على قتل قطة كما تدعي الصحيفة، لم لا تزال معظم وحدات الجيش الإسرائيلي في حالة استنفار قصوى تحاول جاهدة تحديد مكان إطلاق تلك الصواريخ دون جدوى؟! ولم لا تزال تلك الصواريخ تنهمر من القطاع المحاصر على الرغم من محاولات الإسرائيليين تسويته بالأرض؟!
«وجوه الرعب»
فلندع «شنيتزل» تهدأ من روعها قليلاً، ودعونا نراجع القليل من الأخبار الإلكترونية، فصفحات «الفيسبوك» الزرقاء تتحدث عن موضة جديدة في «إسرائيل»، عن مجموعة فيسبوكية تدعى «صور من داخل الملاجئ» أو بدقة أكبر «سلفي من داخل الملاجئ»، والـ«سلفي» كما تعلمون أصبح موضة هذه الأيام، إنها صورة شخصية ملتقطة بكاميرا جهاز الهاتف المحمول لوجه أحدهم وهو يقوم بفعل ما، مهما كان عادياً أو سخيفاً، لتصبح في غضون أشهر الوسيلة الأكثر انتشاراً لتوثيق أحداث النهار كنوع عصري من المذكرات الشخصية.
واليوم يطالعنا (الإسرائيليون)بـ«سلفي» من داخل ملجأ الصواريخ، كنوع من التهكم الرقمي على حالة الرعب التي يعيشونها، وهاهم يتشاركون صور «وجوه الرعب» و«السخرية من حالهم» على صفحات الفيسبوك ليتم «التصويت» على الصورة الأجمل! يعلق أحد الفلسطينيين في بلاد الشتات ببضع كلمات نارها تحت نافذة العرض على موقع «اليوتيوب» قائلاً: «الموتى لا يستطيعون التقاط الصور!».
«الرصاص المصبوب»..
تطالعنا موضة أخرى، هذه المرة على شكل مقطع «يوتيوب»، إنها الأغنية الضاربة «تسيفا أدوم» أو بالعربية «الرمز الأحمر»، وهي الأغنية التي اعتمدتها وزارة دفاع العدو بديلاً عن صفارات الإنذار التقليدية في المدارس، حيث وجد الخبراء بأن الصفارة التقليدية «تشعر التلامذة بالإحباط والرعب» و«تمنعهم من التركيز»، تقول الأغنية في مطلعها بصوت هادئ محبب: «رمز أحمر.. رمز أحمر.. هيا يا صغار.. بسرعة.. بسرعة.. بسرعة.. إلى الأمان يا صغار»، حققت الأغنية نسبة متابعة مذهلة وتصدرت التقارير الإخبارية كفكرة عبقرية «تغلب فيها الأطفال الإسرائيليون على الخوف».
يحاول «الإسرائيليون» استجداء عواطف المتابعين حول العالم إثارة قلقهم على أطفال المدراس الخائفين، دون أن يفكر أحد بالطائرات التي تقصف منزلاً فتقضي على ثلاثة أجيال من العائلة ذاتها في أقل من ثانية!
تذكرني هذه المساخر بمقال لصحيفة الـ«تيليغراف» في العام 2012، تحدث فيه الكاتب بإسهاب وسخرية عن أحد المسؤولين في حديقة حيوان «غزة» والذي قام بدهن أحد الحمير بلون أسود مخطط ليحوله إلى حمار وحشي، بعد أن قام القصف الوحشي الإسرائيلي باستهداف حديقة الحيوان تلك في العام 2008 ضمن جدول أعمال عملية «الرصاص المصبوب» العسكرية، وقتل وقتها الحمار الوحشي «الأصلي»، تجاهل صاحب المقال نية الرجل الصادقة بإسعاد الأطفال بحمار وحشي جديد بأي طريقة، وتحاشى ذكر تفاصيل هذه العملية العسكرية البشعة التي أنهت حياة مئات الفلسطينيين تحت الأنقاض، لم يعنِ الاسم «الرصاص المصبوب» أي شيء!
أصوات جديدة..
يحاول الإسرائيليون التضليل كعادتهم، ربما تدفعهم في ذلك الرغبة في استعطاف الرأي العام العالمي عن طريق قصص مركبة تزيح الأضواء عما يجري بحق على الأرض، لكن هل تستطيع إسكات الأصوات الكثيرة التي تتعالى في كل بقعة على بقاع الأرض؟
هل تستطيع إيقاف المزيد والمزيد من التظاهرات التي تجوب ساحات العالم؟ هل تقدر أن تمنع الأصوات الجديدة في الصحافة الأجنبية الملتزمة والتي تنادي بضرورة تغيير سياسات المحاباة الفاضحة لهذا الكيان الغادر؟
هل تستطيع القطط والحمير والكلاب وأشباهها مما يدعى انتماؤهم لفصيلة البشر أن تستجدي الاستعطاف اللازم بعد أن سالت دماء البشر أنهاراً في الشوارع؟ أم ستبقى صفارات الإنذار الرعب الدائم الذي يجعل كل منهم يشكك بمغزى وجوده في ذلك المكان المقدس وعلى تلك الأرض المغتصبة!