فورة أم مسار حياة؟

فورة أم مسار حياة؟

مازال البعض يقيس الأمور وفقاً للأحداث التي تحكم دائرته الصغيرة، بينما العالم كله يتغير وتغييره ما هو إلا تعبير عن صراع بين مصالح قوى معينة تأخذ أسماءً وأشكالاً ومواقع مختلفة.

إن تكبير الصورة ورؤية أبعادها على المستوى العالمي ليس ترفاً أو تنظيراً فكرياً بل هو ضرورة من أجل فهم أعمق للأوضاع ومعرفة كيف يمكن العمل في وقت تجري فيه محاولة إغراق الناس بتفاصيل وصراعات جانبية وداخلية لا يستفيد منها سوى من يريد للبلاد الخراب.

«مو قدران يعمل شي»

انحسر وخبا وهج الفورة التي حصلت مباشرة بعد السقوط حيث تملك الناس حينها شعور ورغبة في المشاركة والعمل على صياغة مستقبل البلاد، شعر الناس يومها أن الطريق بات مفتوحاً للعمل والنشاط الاجتماعي والسياسي بعد سنوات طوال من تعطيل الحياة وتعطيل دورهم. وتعزز بالتوازي مع هذا الانحسار شعور عام بعدم الاستقرار، وتضاعف تأثيره نتيجة انحدار الأوضاع الأمنية والمعيشية للناس، وبات كثيرون يعبرون هنا وهناك ويتكلمون عن عدم قدرتهم على التخطيط للمستقبل أو اتخاذ قرارات حتى وإن كانت صغيرة وتخص شؤونهم الشخصية. وازداد تداول جملة «الواحد مو قدران يعمل شي...إلخ».

يمكن فهم حقيقة أن الاستقرار ضرورة للإنسان، تمكّنه من التأقلم والتكيف مع التقلبات والتغيرات التي تطرحها الظروف وتساعده على برمجة عمله وتوفير إيقاع متناغم لحياته، وأن غيابها له نتائجه السيئة، ولكن السلبية الاجتماعية والسياسية والركود والتشاؤم والشك بالمستقبل، بسبب شعور عدم الاستقرار هذا، هو أيضاً من الأخطار التي تواجه الناس في مرحلة هامة يفترض فيها تعزيز وتوحيد جهود الغالبية العظمى من الناس للمشاركة والانخراط في رسم مستقبل البلاد ومستقبلهم.

«تبديد غيوم التشاؤم»

فالحياة ليست فورات، بل ثمة مسار سياسي يؤكده الواقع الموضوعي الذي يفترض انخراط الغالبية بالعمل السياسي والعمل المجتمعي لإيجاد وتثبيت حلول حقيقية للمشاكل المتراكمة، وهذا يتطلب «تبديد غيوم التشاؤم الكثيفة والداكنة التي تثقل بوطأتها أحياناً على أقدر المناضلين وأكثرهم مسؤولية» حسب تعبير انطونيو غرامشي. وليس الانكفاء أو العمل وفق الأهواء «وحسب السوق يسوق»، أو الاستسلام للحالة الانتظارية وتأجيل الاستحقاقات المطلوبة. كما يتطلب العمل في الحقل العام، والمشاركة في السياسة ومناقشة القضايا المحوريّة للبلاد.

ينسحب البعض من العمل العام، لاعتقادهم أن العمل الفردي يكفي، ولكنّ العمل الجماعي أمضى وأكثر فاعليّة وتجذّراً خاصة عندما يتعلق الأمر بالحياة المشتركة. فكيف يمكن محاربة الفقر مثلاً وآثاره بالعمل الفردي بينما جذوره وأسبابه قائمة في البنية السياسية والاقتصاديّة للبلاد.

مهام لم تنتهِ

المهمة لم تنتهِ، بل تزداد إلحاحاً ولن يفيد الانتظار لتحسن الظروف، ومستقبل سورية لن يصنعه إلا أبناؤها. وتؤكد الرؤية الواسعة للتغييرات المتسارعة على المستوى العالمي ازدياد دور الشعوب بهذه الأثناء مع تغير ميزان القوى الدولي. إن فسحة الأمل التي لا بدّ منها اليوم، هي في نضال أولئك الذين ما زالوا يحاولون ويحلمون بعكس الصراع إلى موقعه الطبيعي، إنهم جموع السوريين المستَغلين والمقموعين والمظلومين على امتداد خطوط الصراع القائمة. ثمة حاجة لتجميع السوريين وتوحيد جهودهم للحفاظ على البلاد وإعادة بنائها، كما إنّ تثبيت البوصلة بهذا الاتجاه يساعد السوريين على حل كل المشاكل بجهد ووقت وخسائر أقل.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1228