ونحنا شو؟
إنّ الملمّات والشدائد تضع الناس أمام حقائق بسيطة ربما نسيها البعض جرّاء إهمالها وتغييبها إلى وقت طويل، أو جرى التلاعب بها عمداً بغية تزييفها وتغييرها. يؤكد المثل الشعبي المتداول بلهجات مختلفة وبمضمون واحد إحدى هذه الحقائق: «الناس مالها غير بعض»
ثمة ما يوحّد الناس في الحاضر، إضافة إلى ما يحمله الماضي لهم من تاريخ مشترك برموزه وإشاراته العديدة «طقوس وأعياد ورموز ثقافية... إلخ»، ومنها ذلك الشعور الجماعي لحاجات ملحّة للأمان والاستقرار والعيش الكريم... وغيرها، وأيضاً ثمة من يعمل على تشويه هذه الحقيقة بالذات ويحاول كسرها بشتى الطرق.
تمتلئ الأحداث الأخيرة المتسارعة بقصص ذات مغزى، في إحدى هذه القصص تسأل طفلة صغيرة من أبوين ينتميان إلى ذلك التنوع المدهش في البلاد جدها: أنا شو؟ فيجيبها: أنت سورية.
وفي حدث آخر بمكان آخر، يتصل شيخ بسيدة لا يعرفها، فهي مجرد زميلة لأحد أبنائه في العمل، يطلب منها أن تستضيف أسرة في بيتها، وتستجيب المرأة لطلبه بأريحية، وتقوم بواجب الأسرة دون نقاش. وهناك الكثير من القصص الأخرى، يتصرف الناس بها بمسؤولية وجدية تجاه بعضهم البعض، ودون أن ينتظروا المديح والثناء من أحد أو يفكروا بما يمكن أن يترتب على موقفهم من نتائج، وسلوكهم هذا يعبر عن السجية الفعلية لأهل البلاد وناسها وليس كما يروج على وسائل التواصل من صنوف الادعاء والتجييش الممنهج ضمن موجة هوجاء ومَرَضيّة لإثارة القلق والمخاوف غير المبررة من الآخر وتصويره على أنه عدو.
ثمة معارك وهمية تدار في الفضاء الأزرق وعلى الصفحات والمنصات المتنوعة، معارك ليس لها علاقة بمشاكل الناس وهمومهم الحقيقية، وليس للسوريين فيها ناقة ولا جمل، وتقوم في معظمها على الإساءة والتنمر فبمجرد الدخول على أحدها ستجد السوريين منقسمين في مواجهة بعضهم ويسبون ويشتمون... إلخ، ويصل الأمر أحياناً إلى درجة التخوين، دون سبب مقنع سوى الرأي الذي أطلقه أحدهم ووجد من يرد عليه!
يمكن للأمر أن يكون بريئاً وضمن المعقول، لو أن المسألة توقفت عند حدود معينة وأشخاص محددين، ولكنها ليست كذلك، خاصة عندما تستمر لأشهر ضمن حملة كبيرة تتوسع باستمرار، وتهدف بوضوح إلى قسم الشارع السوري وعزل الناس عن بعضهم!
يعرف السوريون جيداً الـ«نحن» التي تجمعهم. ولذلك لا يستجيبون لهذه الحملة، فالناس يستمعون إلى بعضهم ويتقبلون الحوار والنقد، يثبت ذلك الكثير من الجلسات الحوارية والقصص التي حدثت وتحدث بالواقع الفعلي بعيداً عن التفاهة والخيالات العقيمة للعالم الافتراضي.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1227