أهلا بالسياسة بديلاً
يعبر المشهد في سورية اليوم عن نفسه، واقع يفرض نفسه ولا يمكن لأحد إخضاعه لأي مزاج أو رأي، واقع حاجته الماسة لممارسة السياسة، أن تدخل السياسة بيتنا الكبير سورية، سوريتنا جميعاً وتزيح كل ما عداها.
غالباً ما يستخدم الاستبداد أحد أهم وأخطر أدواته وهو توظيف الخوف لترسيخ هيمنته على المجتمع وإخضاعه، بداية يجري تخويف الناس وترويعهم من المجهول، ثم يتحول النظر إليهم والتعامل معهم كضحايا، إلى إحدى أدوات استلاب إرادتهم وفاعليتهم الذاتية، فالخوف من المجهول من جهة وربطه بالفوضى والتلويح بها من جهة أخرى يؤثر سلباً في الذات الفاعلة ويجعلها غير قادرة على التفاعل مع الحدث والقيام بفعل حقيقي.
ويؤدي تراكم تأثير أدوات الاستبداد هذه، في كثير من الأحيان إلى نتائج شائكة ومعقدة، تصل أحياناً إلى استدعاء واستخدام مفاهيم معينة مثل «الاستقرار» و«الأمن»...إلخ. بغرض تكريس السيطرة المطلقة فتكتمل دائرة استخدام الخوف لإعادة إنتاج القمع ليقوم بوظيفته في تكريس السيطرة وحرف الصراع باتجاه مخالف لموقعه الطبيعي ومضمونه الفعلي. وغالباً ما يكون «الاستقرار» و«الأمن» الناتج عن مثل هذه العملية مجرّد حالة مؤقتة قائمة على الخوف، سرعان ما تنهار عند أوّل اختبار جدي.
عكس السوريون مرات كثيرة وعياً سياسياً عالياً تجاوز في بعض الأحيان بعض النخب الإعلامية والسياسية، وأثبت أنه يستطيع أن يدير أموره إذا ما أعطي الفرصة له.
يريد السوريون مصالحة وطنية شاملة مبنية على عدالة حقيقية، لأنهم يريدون مراجعة فعلية لا تتجاهل أخطاء الماضي، أياً كان مرتكبها، بل تسير في طريق بناء الجديد الذي يستحقونه، والذي دفعوا ثمنه غالياً. أما الاستمرار بتجاهل مالا يمكن ولا يحتمل تجاهله فلن يؤدي إلّا إلى إعادة تكرار هذه الأخطاء والمأساة التي نجمت عنها لاحقاً، مهما أضيف إليها من لمسات لتحسينها والاضطرار إلى قبولها. ومن يرفضها ومهما كانت حجته في ذلك، والذي يحاول تبريره بسرديات عديدة مثل «الصلح المستحيل» بين أهل البلد الواحد بعد كل ما جرى وما حدث... إلخ، بينما لا ينكر رغباته الدفينة في التعامل مع «الخارج» ومحاولة استرضائه.
من يرفض المصالحة سواء بشكل علني وواضح أو بشكل مضمر يظهر في سلوكياته المختلفة، ومهما كان منطقه ومنطلقه لذلك، إنما يعبر في العمق عن رفضه الإجابة عن تلك الأسئلة التي تطرحها عليه الحياة والواقع وتوضيح موقفه الحقيقي منها، وأهم ما فيها هو إرادة السوريين ببناء بلد يتساوى فيه السوريون على أسس سياسية، اقتصادية، اجتماعية، ثقافية... وتحفظ من خلالها كراماتهم وحقوقهم.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1218