رسائل فيس بوك الشفهية
يتملك السوريون توقٌ إلى الحياة، بأبسط صورها، حياة يكونون فيها أحراراً، لا يقيدهم فيها جوع ولا حاجة ولا ذل، ولا يحكمهم فيها سوى ضمائرهم اليقظة تجاه كل ظلم، حياة كريمة يستحقونها.
اجتاحت الناس رغبة شديدة بالتغيير، يريدون منه سورية جديدة، ينتمون إليها بفخر، بكل ما تعنيه كلمة انتماء وما تحمله من رموز وإشارات، انتماء لبلاد تؤمّن لهم عيشاً كريماً وتحفظ لهم كرامتهم.
والكرامة تتطلب أولاً ألّا يجوع الناس، ولا يسكتوا عن حقوقهم، حقهم في العمل والتعليم ومستوى معاشي لائق وكريم وحقهم في التعبير عن مطالبهم وتنظيم صفوفهم في أحزاب وجمعيات ومنظمات... إلخ.
يرمي أحد «مثقفي الفيس بوك» باللوم على العقل الجمعي للناس بأنها هي سبب إنتاج الاستبداد واستمراره عبر الأجيال: «ليس المشكلة في السلطة السياسية بل في سلطة العقل الجمعي الذي يحكمنا»، ويطلق حكماً جازماً: «في ثقافتنا الموروثة واللا واعية... قبول الرأي الآخر، أمر من المستحيلات». يتحول فضاء الفيس بوك الأزرق المنتج غربياً بل وأمريكياً على وجه الخصوص، إلى ملاذ آمن يتلطى خلفه كثير من هؤلاء، ويغري عدد «اللايكات» البعض منهم إلى درجة يعتقد بنفسه أنه أحد أعمدة الفكر، وأنه يعطيه الحق ليس في إطلاق أحكامه على من «ينتمون لثقافة لا واعية واحدة رغم الاختلاف السياسي أو الأيدولوجي بينهم» فقط، بل في التنظير للتاريخ والمستقبل، والمطالبة «بثورة ثقافية تنويرية تحررنا من هذا الموروث القمعي والثقافة التاريخية الموروثة» وإلا: «فلا حرية ولا ديمقراطية ولا قانون ولا مستقبل لنا».
يبرر البعض، سواء وعى ذلك أم لم يعِه، بهذه الطريقة على صفحاتهم للقمع الذي قامت به السلطة السياسية السابقة، ويضعون اللوم كله على وعي الناس وأخلاقهم فيما وصلت إليه البلاد من وضع مأساوي. محققين بذلك ما كانت تروج له السلطة نفسها من تحميل الناس أسباب الأزمة والحرب! في الوقت الذي كان الجوع ينهش أجساد السوريين وكرامتهم. عرف السوريون الجوع وعايشوه بأشكال عديدة وموجعة وصلت إلى درجة تناول الطعام من الحاويات! وعض بوحشية الغالبية العظمى من السوريين بنسب متفاوتة، وحولهم إلى أكثرية ومجموعة واضحة المعالم والمصالح اسمها: «المنهوبين».
لم تكن البلاد يوماً مجرد حدود وتراب وعلم وسلطة، فالبلاد بأهلها وناسها. ولذلك تعتبر ثنائية «الحدود والحقوق» إحدى أهم ركائز الانتماء، والحفاظ على وحدة البلاد وحماية حدودها من جهة، والحفاظ على حقوق أهلها والدفاع عن كرامتهم من جهة ثانية، فهما مرتبطان بالضرورة ولا يمكن وجود أحدهما دون الآخر.
كرامة البلاد من كرامة أهلها وناسها الطيبين الواعين للمهمة التي تنتظرهم لبناء سورية جديدة يستحقونها، والجهود المطلوبة لتحقيقها على أرض الواقع فعلاً، وليس في العالم الافتراضي وأوهامه.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1214