لعبة «إعادة تدوير» الحياة
إيمان الأحمد إيمان الأحمد

لعبة «إعادة تدوير» الحياة

بينما يفيض الفضاء الإلكتروني بالحديث عن العلمانية وحقوق المرأة وينضح بضجيج حاد وصراع شديد حول شكل تجلي حريتها وخياراتها، وخصوصاً ذلك الجانب المتعلق بـ«اللباس والظهور...الخ»، على أهميته، تعاني النساء السوريات، وخصوصاً الأمهات منهن في بيوتهن بصمت.

رغم عراقة المدينة التي لا يمكن إنكارها، يتجسد الفقر بوضوح في شوارع دمشق المتعبة من الحرب والنهب، يُطل الفقر برأسه بوقاحة في أحياء تسكنها غالبية السوريين، شوارع رثة وبيوت متضعضعة، بالكاد تكون بيوتاً، وأحاديث لا تنتهي عن تدني الدخل، وعدم كفاية الرواتب، وغلاء الأسعار وانقطاع الكهرباء المستمر لساعات طوال، والمتدهور يوماً بعد آخر، وظلام يلفُّ الشوارع بعد غروب الشمس، وقصص كبار السن والمتقاعدين والعاجزين عن الحصول على ما يكفيهم من طعام ورعاية صحية، وغلاء الأدوية ووو...الكثير الكثير من المشاكل والتفاصيل اليومية التي تجرح النفوس وتنهك الأجساد.

إعادة تدوير «المي»

في حديث لقاسيون، تقول إحدى الأمهات: «لا مازوت ولا كهربا ولا ماء، لأنو المي مرتبط بالكهربا حتى تطلع عالخزان، وبهالبرد كيف بدي حمم الولاد، بشعّل حطب مشان دفي المي شوي وحمم واحد اليوم وواحد بكرا، بالطاسة والصحن، وهيك بيصير الحمام على أربع أيام، والمي اللي بتضل بشطف فيها الحمام....». وتكمل أخرى بصوت منكسر: «لا تنسي الجلي وغسيل الخضرة والطبخ... أصابعنا متورمة من المي البارد..».
تستطرد النساء بسرد تفاصيل أوجاعهن لقاسيون: «وصلت بنا الحال إلى إعادة تدوير الماء، ما نستخدمه لغسيل الملابس نشطف به، بعد أن أعدنا تدوير كل شيء، الملابس القديمة ومواد التنظيف، الأدوات المنزلية البسيطة التي نستخدمها.. الخ، ليس هناك شيء لم نُعِد تدويره، في بعض الحالات اضطرت بعض النساء إلى تحويل الخرق البالية، وما تبقى من ملابس أولادهن وأحذيتهم إلى وقود للتدفئة، رغم رائحته الكريهة ومعرفتهن أنه غير صحي، ولكن الخوف على الأولاد من البرد أشد»، وتكمل: «شو بدنا نعمل من وين ما جبناها ملغمطة».

حِلّوا عن المرأة

«في محاولة توفير وتأمين احتياجات معينة يقوم البعض بسلوكيات مضرة بالصحة، وحتى غير عملية، استخدمت بعض العوائل (ببور) يعمل على المازوت، رغم ما يسببه من أضرار، بسبب عدم توفر ثمن الغاز، حتى وإن توفر!» تقول إحداهن، «ما يعتبره البعض رفاهية كـ«الصحة» بينما واقع الحال أنه حاجة أساسية، ولكن ليس أمامهم من سبيل آخر».
في سعي النساء للحفاظ على عوائلهن من البرد والجوع وبقية عناصر الذل، وتوفير الحاجات الأساسية، يصبح ضجيج وسائل التواصل حول «حريتها في اللباس، والخروج» على أهميتها، نوع من رفاهية لأمهات يبحثن عن حلول لمشاكلهن الحياتية الموجعة.
لخص أحدهم على صفحته وبسخرية مريرة، مطالب هؤلاء النسوة والأمهات قائلاً: «رجاءً، حِلّوا عن المرأة، فلقمة الناس وكرامتهن وتعليمن وصحتن وطبابتن وغربتن عن أرضن وبيوتن هنن الهم الأول والأخير».

معلومات إضافية

العدد رقم:
1211