«مؤسّسة حياة الحويّك للدراسات الثقافية» وأهمية الإنتاج الفكري الكاسر للأحادية الغربيّة

«مؤسّسة حياة الحويّك للدراسات الثقافية» وأهمية الإنتاج الفكري الكاسر للأحادية الغربيّة

أعلنت مؤسّسة «حياة الحويّك للدراسات الثقافية»، تقديم جائزة الدكتورة حياة الحويّك السنوية الأولى للبحث الثقافي، وقد خصّصت هذه الجائزة في الذكرى السنوية الثالثة لرحيل الحويّك، تكريماً لذكراها ومساهماتها، وتقديراً للأبحاث الثقافية المتميزة التي لها تأثير كبير في مجالها.

وقد سلّمت المؤسسة جائزتها الأولى للباحث اللبناني الدكتور محمد المعوش عن بحثه الرائد بعنوان «الحدود الفلسفية لهيمنة ثقافة الاستهلاك والفردانية: التحديات والبديل الحضاري»، وذلك خلال حفل أقيم في المكتبة الوطنية في بيروت، يوم الجمعة 12 تموز 2024. وتخلّل الحفل كلمات لكل من عضو مجلس الأمناء الدكتور حسن حمادة، والمدير العام للمؤسّسة زينون عطية، ورئيسة لجنة التحكيم البروفسورة لبنى طربيه. وقدّم الباحث، الفائز بقرار لجنة التحكيم بالإجماع، ملخَّصاً عن بحثه، كما حضر الحفل نخبةٌ من أعضاء المجتمع الأكاديمي ومنهم ممثّلو المؤسّسة وأعضاء اللجنة العلمية وضيوف.

عطية: نحو نواة ثقافية لكسر المركزية الغربيّة

في كلمته الافتتاحية، قال المدير العام للمؤسّسة، زينون عطية: «نجتمع اليوم في ذكرى رحيل حياة الحويّك، وفي المبنى الذي انضمت فيه من على مقاعد الدراسة في كلية الحقوق إلى مشروع نهضوي ناضلت لتقدم فيه بزخم نوعي، في الفكر والثقافة والتربية والإعلام والعلم والسياسة، على مدى اثنين وخمسين عاماً كان آخرها في مثل هذا اليوم، ذكرى رحيلها في الثاني عشر من تموز من العام 2021، وبينما كانت تنعى آخر أعمالها البحثية المرجعية، وتحضر لمؤسّسة مختصة بالدراسات الثقافية».
وأضاف: «قبل حلول الذكرى الأولى للرحيل انطلقت هذه المؤسسة، لتحمل اسم الراحلة، وتكمل هذا المشروع العلمي الثقافي، الذي أسّست له الحويك بكسر أحادية التدفّق في علوم الاتصال الإنساني ذات المركزية الغربية، ضمن استراتيجية تسعى إلى تشكيل نواة فكرية منتجة، تُبنى على الخيار الفردي الواعي والحر، لتسهم في إعادة تشكيل الفضاء العام لمجتمعنا الغني بنسيجه، بعيداً عن التفتيت المعطِّل لنهضته».
وشرَح عطيّة رؤية المؤسّسة التي تسعى «من خلال جائزة حياة الحويك للأبحاث الثقافية، كما البرامج والنشاطات الأخرى، إلى رفد المكتبة العربية بأبحاث معمَّقة مفقودة أو شحيحة في المشرق والفضاء العربي عامّة، وبخاصة في الدراسات الثقافية البين-تخصصاتية، بالإضافة إلى المساهمة في تحفيز الباحثين الناشئين على البحث العلمي».

طربيه: التزمنا العلميّة الصارمة في التحكيم

وسلّطت رئيسة لجنة التحكيم البروفسورة لبنى طربيه الضوءَ على عمليّة التقييم الدقيقة التي أدّت إلى اختيار البحث الفائز، وتطرّقت إلى مسار تقييم الأبحاث المقدَّمة إلى جائزة حياة الحويك، حيث استندت لجنة التحكيم إلى مجموعة مضبوطة من الخطوات العلمية الصارمة، بحيث اعتمدت على معايير متعدّدة متمثّلة بالموضوعية في مقاربة موضوع البحث، والتحقّق من المعلومات والمعطيات، والحيادية والأخلاقية العلمية، والتحقّق المنهجي، والمصداقية والدقّة في العرض، وقابلية التعميم، والاستفادة المجتمعية. ثمّ شرحت الخطوات التي اعتمدت خلال مسار الجائزة، بدءاً بالإعلان عن قبول مشاريع أو مخططات بحثيّة، إلى استلامها وتقييمها من قبل اللجنة العلمية المؤلفة من الدكتور موفق محادين والدكتور سيف دعنا والدكتورة لبنى طربيه، حيث مرّت الأبحاث في حلقات النقاش والتداول ضمن مراحل وخطوات متعدّدة، كما منحت الباحثين المختارين فرصةً لإجراء تعديلات على الأبحاث. وتم اتخاذ قرار الفائز بالجائزة بالإجماع.
وختمت البروفسورة طربيه بالقول: «صحيح أنّ مسار التقييم كان طويلاً، وربما متعباً بعض الشيء بالنسبة للباحثين، إلا أن إصرارنا على ذلك كان مستنداً إلى المعايير الدقيقة التي وضعتها المؤسسة والتزمت بها، وكذلك تماشياً مع روحية العمل العلمي التي كانت الدكتورة حياة الحويك ملتزمةً بها، والتي شكلت مقارباتها العلمية ومهنيّتها المرجعَ الذي نعتمده في عملنا في المؤسسة»، معلنةً أنّ «المؤسّسة تحضّر لإطلاق الدورة الثانية من برنامج تدريب الباحثين الناشئين، الذي سيقام في لبنان بالتعاون مع معهد العلوم الاجتماعية في الجامعة اللبنانية، والتي نأمل أن ينتج عنها باحثون متمكّنون، وأبحاث علمية قيّمة».

كلمة الدكتور محمد المعوش

وأعرب الحائز على الجائزة، الدكتور محمد المعوش، عن امتنانه لهذا الاختيار، وتحدّث عن بحثه، مقدّماً ملخّصاً عن عمله، فقال: «في العقدين الأخيرين، وتحديداً بعد الأزمة المالية في العام 2008، تشكّل إجماع عالميّ، وباعتراف العالم الغربي نفسه بغض النظر عن لغة ومصطلحات هذا الاعتراف، على وجود أزمة في النظام الرأسمالي في صيغته الإمبريالية، وخصوصاً بعد تبلور اتجاه عالميّ لتحدّي ومواجهة آليات عمل هذا النظام وأدوات حفاظه على هيمنته، وتحديداً المستوى الاقتصادي-النقدي والعسكري، حيث تشكّل، وما زال، توازن قوى دولي يعمل بالضدّ من آليات الهيمنة والإلحاق والنهب من قبل المركز الغربي، ونخبته المالية».
ورأى الدكتور المعوش أنّ «المنطق الداخلي وعقل النظام العالمي المهيمن يدفع باتجاه ثنائية متطرفة من الانقسام (ذات-موضوع) تجد مصدرها الفلسفي اللاعقلاني في المثالية الصّلفة (نكران وجود الواقع) والمادية الصّلفة (نكران وجود الذات-العقل)، عبر دفع الوجود الإنساني إلى مستوى الوجود الرثّ لناحية تدمير كل أشكال الانتظام والعقلانية والموقف التقدمي-الإبداعي من العالم، والعمل على تعميم العدمية تجاه الحاضر والمستقبل... مما يعني الانحدار بالإنسان إلى مستوى التشيُّؤ المحقّق، إلى مستوى الوجود الحيواني».
يُذكَر بأنّ الدكتور محمد المعوش تخرّج في الجامعة اللبنانية عام 2011، وتابع دراساته في الصين، جامعة «جينجو العادية»، مختبر هينان لعلم النفس الدولي، حيث حصل منها على درجة الدكتوراه عام 2020، وله عدد من الأبحاث المنشورة في مجال علم النفس والفلسفة والذكاء الاصطناعي، في دوريات عالمية محكّمة. ويعتمد المعوش على منهجية ماركسيّة في أبحاثه، وينشر مقالات فكرية-علمية نقديّة في الثقافة والسياسة في عدة منابر، بما فيها صحيفة «قاسيون».

photo_2024-07-21_22-35-58

نبذة عن الدكتورة حياة الحويّك ومؤسّستها

الراحلة الدكتورة حياة الحويّك عطية، كاتبة وباحثة لبنانية في جيوبوليتيك الاتصال الجماهيري، والإعلام، ومنظّرة في تشكيل الفضاء العام. قدمت العديد من المقالات والدراسات والترجمات على مدار سنوات عملها في الحقل الثقافي والإعلامي.
ولدت الحويّك في لبنان عام 1949، وحصلت على البكالوريوس من كلية الحقوق في الجامعة اللبنانية عام 1973، ثم نالت درجة الدكتوراه في وسائل الاتصال من كلية الإعلام من جامعة السوربون عام 2008، ورحلت عن عالمنا في 12 يوليو/تموز 2021 بالعاصمة المصرية القاهرة.
كانت حياة الحويك كاتبة مقال في عدد من الصحف والمجلات، أبرزها الدستور الأردنية، كما شاركت في مجال الترجمة لمؤلّفات ثقافية وسياسية هامّة، كما أعدت بنفسها مؤلفات في أدب الرحلات والمسرح والرواية والنقد، من أشهرها كتاب «اكتشاف الوطن – الأردن».
وعرفت الكاتبة الراحلة بمواقفها الداعمة للقضايا العربية، وأبرزها القضية الفلسطينية.
وتخليد لذكراها تأسّست «مؤسّسة حياة الحويّك للدراسات الثقافية»، وغاية المؤسسة إنتاج الأبحاث والدراسات الثقافية، والدراسات في علوم التواصل الجماهيري، والأعمال الثقافية الأدبية والفنية، وتمكين الشباب من الأدوات البحثية والإبداعية، إضافة إلى بناء شبكة منتجة من باحثين وأدباء وفنانين بالتعاون والشراكة مع ذوي الخبرة والجهات الـمعنية، وعقد النشاطات والورش البنّاءة ونشر الإصدارات البحثية والثقافية، وتوفير الفرص للباحثين والـمبدعين من خلال تحكيم البحوث وعبر الشراكات، والسعي إلى تعزيز دور الدراسات الثقافية في التعليم والتعلّـم الـمستمر.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1184
آخر تعديل على الأحد, 21 تموز/يوليو 2024 22:44