رسالة من إنجلس وماركس حول شروط القبول بمثقَّفين من البرجوازية
في منتصف أيلول 1879 قام فريدريك إنجلس بصياغة رسالة داخلية حزبية بالتنسيق مع كارل ماركس، تم توجيهها إلى رفاق آخرين في قيادة حزبهما الاشتراكي-الديمقراطي آنذاك (منهم بيبل وليبكنيخت وبراكه وغيرهم)، انتقدا فيها منشورات روّجت لاتجاهات انتهازية في أوساط الحزب والطبقة العاملة، وحاولا تصحيح زيادة النفود البرجوازي الصغير في قيادة الحزب. نُشرت الرسالة مع أعمالهما المجمَّعة بالألمانية عام 1942.
تعريب وإعداد: ناجي النابلسي
قبل استعراض الجزء من الرسالة المتعلّق بالصراع الثقافي، يجدر بالذكر أنّ ماركس شدّ على يد إنجلس بقوّة مؤيّداً إرسال الرسالة المذكورة فكتب له: «إنني أشاطرك الرأي بالكامل بأنّه ليس لدينا المزيد من الوقت لكي نضيّعه في عدم إعلان وجهة نظرنا بكلّ صراحة وبلا رحمة... إذا مضوا بالأمر نفسه في لسان حال الحزب، يجب علينا أن ندحض آراءهم علناً. في مسائل كهذه لا يعود ثمّة مكان لطيبة القلب».
مقتطف من الرسالة
هناك ظاهرة محتومة ومتجذّرة في مسار التطوّر ذاته، هي أنّ أناساً من الذين شكّلوا حتى الآن الطبقات الحاكمة سيقومون أيضاً بالانضمام إلى الطبقة العاملة المناضِلة وسوف يساهمون بتزويدها بعناصر ثقافية. لقد أشرنا إلى ذلك بوضوح في البيان [الشيوعي]. ولكن تجدر هنا ملاحظة النقطتين التاليتين...
أولاً: من أجل أن يكونوا مفيدين لحركة الطبقة العاملة، يجب على هؤلاء الأشخاص أن يجلبوا إليها معهم أيضاً عناصرَ ثقافيّة حقيقيّة. ولكنَّ الأمر ليس كذلك لدى الغالبية العظمى من البرجوازية الألمانية. مطبوعتا «المستقبَل» و«المجتمع الجديد» لم تسهم أيٌّ منهما بأيّ شيء يمكن أن يدفع الحركة قدماً ولا حتى بخطوة واحدة. فثمّة هنا فقدان مطلق لأيّ مادّة ثقافية حقيقة، سواء ملموسة أو نظرية. وبدلاً من ذلك نجد محاولات لمواءمة أفكار اشتراكية متبنّاة بسطحيّة مع شتّى المواقف النظرية المتنوّعة التي جلبها هؤلاء السادة المحترمون معهم من الجامعة أو من مكانٍ آخر، وحيث كلّ موقف يجيء أكثر تشوُّشاً من الذي سبقه، نظراً لعمليّة تفسّخ بقايا الفلسفة الألمانية... [...] ... إنّ الحزبَ لفي غنىً عن المثقّفين الذين يتّخذون من تعليم ما لا يفقهون قاعدةً رئيسيةً يدأبون عليها.
ثانياً: إذا انضمّ أناسٌ من هذا النوع من طبقات أخرى إلى حركة الطبقة العاملة، يجب أن يكون الشرط الأوّل لذلك هو ألّا يجلبوا معهم أية بقايا من الأحكام المسبقة البرجوازية أو البرجوازية الصغيرة وما إلى ذلك. بل ينبغي عليهم أن يتبنّوا من صميم قلبهم وجهة النظر البروليتاريّة. أمّا الذي أثبتته التجربة بشأن هؤلاء السادة المحترمين، فهو أنّهم متخمون بالأفكار البرجوازية والبرجوازية الصغيرة. إنّ بلداً برجوازيّاً صغيراً كألمانيا، يكون فيه لهذه الأفكار ما يبرّرها بالطبع، ولكن فقط خارج حزب العمّال الاشتراكي-الديمقراطي. فإذا شكّل هؤلاء السادة المحترمون أنفسهم في حزب اشتراكي-ديمقراطي برجوازيّ صغير، يكون لهم كامل الحقّ بفعل ذلك؛ ويمكن عندئذٍ وبحسب ما تقتضي الظروف، أن نفاوضهم أو نشكّل تكتلاً معهم، إلخ. أمّا في حزب عمّاليّ فإنهم عنصرُ إفساد. فإذا كان لا بدّ، لأسباب معيّنة، من تحمّل وجودهم في الحزب في الوقت الراهن، فإنّ من الواجب أيضاً عدم السماح لهم بالتأثير في قيادة الحزب وأنْ نبقى واعين بأنّ القطيعة معهم مسألةُ وقتٍ لا أكثر. ولقد حان هذا الوقتُ على ما يبدو...[...]... أمّا إذا سقطتْ قيادةُ الحزب، إلى هذا الحد أو ذاك، في أيدي أناسٍ كهؤلاء، فإنّ الحزبَ ببساطة سوف يتعرّضُ للإخصاء وتنتهي طاقتُه البروليتاريّة.
فيما يتعلّق بنا، وبالنظر إلى ماضينا بأكمله، ليس أمامنا سوى طريق واحد؛ فعلى مدى أربعين عاماً تقريباً، شدّدنا على أنّ الصراع الطبقي هو القوّة المباشرة المحرّكة للتاريخ، وخاصّةً الصراع الطبقي بين البرجوازية والطبقة العاملة بوصفها أعظم قوة رافعة للثورة الاجتماعية الحديثة. ولذلك من المستحيل بالنسبة لنا أنْ نتعاون مع أناسٍ يرغبون في محو هذا الصّراع الطَّبقي من الحركة.
عندما تشكّلت الأمميّة، قمنا على المكشوف بصياغة هتافِ المعركة، «يجب أن يكون تحريرُ الطبقة العاملة مِن صُنع الطبقة العاملة نفسها». ولذلك لا يمكن أنْ نتعاون مع أناسٍ يقولون بأنّ العمال عديمو الثقافة للغاية بحيث يتعذّر أن يحرّروا أنفسهم وأنه يجب تحريرهم من فوق بواسطة البرجوازية والبرجوازية الصغيرة المحبّتَين للخير والإنسانية.
إذا تبنّى لسانُ حال الحزب الجديد خطّاً يتماشى مع آراء هؤلاء السّادة المحترمين، وكان خطّاً برجوازياً وليس بروليتاريّاً، فلن يتبقّى لنا عندئذٍ شيءٌ نأسفُ عليه فيما إذا أعلنّا معارضتنا له على رؤوس الأشهاد... [...] ... ولكنّنا نأمل بألّا تصل الأمور إلى ذلك الحدّ.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1129