الصين ذلك البلد العصي على الفهم!
يعتقد كثيرون أن الصين ذلك البلد البعيد، في أقاصي الشرق مغلق على نفسه وعصي على الفهم. ومن أهم أسباب هذه الفرضية هو الموروث الثقافي الرمزي المرتبط بالمكان وبعده، فوجود الصين بأقصى الشرق هناك «حيث لا بلاد بعدها» ترك انطباعاً سجله كثير من المؤلفين والكتّاب بأن العالم ينتهي هناك، إضافة إلى الرمزية التي يحملها سور الصين العظيم، وصعوبة اللغة الصينية وبالتالي صعوبة الحصول على معرفة متكاملة عن ثقافة هذا البلد.
ثم جاءت الحملة الإعلامية الغربية الأمريكية الهائلة وخاصة بعد الحرب العالمية الثانية لتكرس وتثبت هذا الانطباع ضمن حالة الصراع السياسي واستغلال الثقافة عموماً للتأثير بالوعي الاجتماعي والرأي العام. وكان ميزان القوى العالمي السابق يسمح بذلك حينها. أما اليوم فلا أحد يستطيع أن ينكر التغييرات الهامة والنوعية الكبيرة على مستوى العالم ككل، ومن جملتها صعود قوى سياسية جديدة وتصدع حالة الهيمنة الغربية على كافة المستويات، السياسية ولاقتصادية والاجتماعية والثقافية. وتغير المعادلات السابقة في هذه المجالات. ومعها حدث تغير لاحق خاص بالبنية الاجتماعية الثقافية، وفي مركزها تحديداً، والمقصود هنا منظومة الرموز والإشارات التي كانت تمثل البنية السابقة.
الشمس تشرق من الشرق
إن حضور الشرق اليوم أكثر وضوحاً وعمقاً واتساعاً من المرحلة السابقة على المستوى العالمي، بحيث لم تعد آلة الإعلام الغربية قادرة على حجب هذا الحضور والتأثير النوعي الجديد والفاصل له بين مرحلتين من أهم مراحل التطور في العصر الحديث من جهة، ومن جهة أخرى يبدو أن صنّاع المستقبل باتوا يدركون أهمية الجوانب الروحية والأخلاقية والثقافية والرمزية.. إلخ، وتأثيراتها، مما جعلهم يركزون على ما يمكن عمله في هذا المجال. ويمكن رصد نتائج هذا الاهتمام في التقارير والأخبار التي تنشر وتؤكد تزايد أعداد المهتمين بالثقافات الشرقية وعلى رأسها الثقافة الصينية.
الأرقام لا تكذب
الأمثلة هنا لا تعد ولا تحصى، ففي مجال الفن والدراما الآسيوية عموماً والصينية خصوصاً تلاقي الأعمال الفنية اهتماماً متزايداً سواء الرسم أو النحت وغيرها، مثلاً في مجال النحت على الخشب المدرج في قائمة التراث الثقافي غير المادي العالمي، يسوق النحاتون أعمالهم النحتية إلى أكثر من 70 دولة. وكذلك الأمر بالنسبة للدراما، المترجمة منها أو المدبلجة إلى اللغات الأخرى، فهي تلاقي رواجاً واسعاً بين شرائح مجتمعية مختلفة وخصوصاً الشبابية منها، بعد أن أوشكت الدراما الغربية على الإفلاس.
وفي مجال الأدب يستمر الأدب الصيني على الإنترنت في الازدهار في الخارج، فقد أصدرت الصين أكثر من 16 ألف عمل أدبي عبر الإنترنت، لتصل إلى أكثر من 150 مليون قارئ خارج الصين، وفقاً لتقرير صادر عن جمعية الكتاب الصينيين خلال أسبوع الصين الدولي للأدب على الإنترنت لعام 2023، والذي اختتم في أيار الماضي. ويؤكد أن غالبية القرّاء الأجانب تقل أعمارهم عن 35 عاماً، وتم نشر الآلاف من العناوين الأدبية الصينية الورقية في سوق آسيا الخارجية. فضلاً عن الإقدام الواسع على تعلم اللغة الصينية. كل ما سبق ذكره يدل على أن الصين لم تعد تلك البلاد العصية على الفهم.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1129