«أُكِلت يوم أُكِل الثور الأبيض»
إيمان الأحمد إيمان الأحمد

«أُكِلت يوم أُكِل الثور الأبيض»

تعتمد البنية الدلالية والرمزية للأمثال والقصص على الإيحاء والتكثيف، يعكس فيها الحدث تجارب الإنسان ونشاطه في الحياة، ويعيد صياغة فلسفته وحكمته، ويؤثر فيها الرمز بشتى صوره المجازية والإيحائية لإضاءة عوالم معتمة وإظهار الجوهر في قضايا متعددة بما يتناسب مع مصلحته. وتكثف الأمثال المعنى من القصة وتعمقها وتصبح مصدراً للإدهاش والتأثير، في محاولة الخروج من الدائرة السلبية وقيمها والانتقال إلى الدائرة الإيجابية خاصة في المنعطفات المصيرية للكائن البشري. يكون الرمز في القصة أحياناً أكثر امتلاء وأبلغ تأثيراً من الحقيقة الواقعة، يكفي أن يطلع المتلقي على تفاصيل القصة حتى يصله المعنى.

يشهد العالم اليوم تغييرات كبرى في عوالم الفكر والسياسة والاقتصاد والثقافة وغيرها فرضتها الضرورة، وتكاد تكون منعطفاتها هي الأشد والأكثر تنوعاً لدرجة تبعث على الدهشة. وربما تكون الحكاية البسيطة في أحداثها والعميقة في رمزيتها مفتاحاً لفهم الكثير من التحولات في المواقف. يكفي أن نقرأها حتى يصلنا المعنى.

تقول الحكاية

عاشت ثلاثة من الثيران في إحدى الغابات، بثلاثة ألوان أحمر وأسود وأبيض. وكان يعيش بالقرب منها أسد مفترس، يفكر بافتراسها كلما أحسّ بالجوع، إلا أنه كان يخشى أن تجتمع عليه وتفتك به.
فكر الأسد في طريقة لافتراس الثيران، فلجأ إلى الحيلة عندما وجد الثورين الأسود والأبيض منفردين في المرج الواسع، اقترب من الثور الأسود وانفرد به وهمس له ناصحاً: «إن الثور الأبيض يختلف في لونه عن حيوانات الغابة ما يعرضنا جميعاً لخطر هجوم محتمل في أي وقت، خصوصاً بالليل، حيث إن بياضه لا يسمح لنا بالاختفاء عن أنظار أعدائنا، ثم إن خيرات المرج تناقصت مؤخراً فلو تخلصتم منه، ستكفيكم خيراته أنت وأخوك الأحمر، والقسمة على اثنين خير منها على ثلاثة»،
وهكذا لم يزل به حتى أثرت كلماته عليه، وأخذت في فكره القبول، ولكنه لا يعرف كيف يبعد الثور الأبيض عن المكان، فقال له الأسد لا تحمل هماً أنا أكفيك أمره، وما عليك إلا الابتعاد من هنا ودع أمره لي.
ترك الثور الأسود المكان، فانفرد الأسد بالثور الأبيض وفتك به، وعندما عاد الثور الأحمر أوهمه الثور الأسود أن الأبيض لحق به ولكنه إلى الآن لم يرجع، وبعد مرور مدة من الزمن نُسي أمره ويُئس من عودته.
ومرّت الأيام، وجاع الأسد فقرر أن يفترس ثوراً آخر، فاقبل الأسد مرة أخرى مسدياً نصحه للأسود: «إن الثور الأحمر يشكل تهديداً عليك بسبب لونه اللامع، والخير في المرج لواحد أفضل منه لاثنين».
وهكذا حتى تمكن الأسد من النيل من الثور الأحمر، ثم ما لبث الأسد أن عاد بعد أيام وفي عينيه نظرة فهمها الثور الأسود جيداً فأدرك أنه لاحق بصاحبيه، فصاح نادماً وهو بين أنياب الأسد: «أُكِلتُ يوم أُكِل الثور الأبيض!».

معلومات إضافية

العدد رقم:
1124