دروس الجلاء العظيم

فالشعب السوري العظيم الذي أنهكته الأوبئة والحروب والمجازر السابقة قد نهض للنضال مجدداً رغم الجراح العميقة التي أصيب بها. وطوال 25 عاماً، لم يهداً نضال السوريين من أجل الجلاء وكان هذا النضال يأخذ أشكالاً متعددة.
خلال سنوات 1918-1921، انفجرت عشرات الثورات والانتفاضات الكبيرة والصغيرة والمعارك المختلفة التي عمت مختلف أنحاء البلاد. ومن أهمها معركة ميسلون التي قادها وزير الحربية يوسف العظمة وثورة الشيخ صالح العلي التي لقبها البعض باسم «الثورة السورية الأولى» وثورة إبراهيم هنانو في الشمال. تلك المعارك التي مهدت للثورة السورية الكبرى عام 1925 والإضراب الخمسيني عام 1936 وانتفاضة الجلاء 1945.
عندما كانت المقاومة الشعبية المسلحة تنحسر، ظهرت النضالات الجماهيرية السلمية المختلفة التي كانت تستمر في صعود وهبوط حتى موعد الانتفاضة القادمة. وقدم الشعب السوري خلال ربع قرن عشرات الآلاف من الشهداء حتى رحيل آخر جندي أجنبي عن أرض البلاد. وقد تميزت هذه الفترة بالأمور التالية:
التأثير الكبير لمعركة ميسلون على مستقبل البلاد وحدوث عشرات الثورات الكبيرة والصغيرة التي شملت خارطتها الكلية جميع أنحاء سورية. وانتصر السوريون في الكثير من المعارك رغم التسليح السيء مثل معركة المزرعة التي استطاع فيها رجال الثورة تحطيم فرقة عسكرية كاملة في ملاحم صنعتها إرادة الشعوب.
شهدت هذه الفترة ولادة حزب الطبقة العاملة 1924 وظهور المنظمات النقابية التي توجت بإنشاء الاتحاد العام لنقابات العمال 1938 واشتداد نضال الشعب السوري ضد الإقطاع والرأسمالية والإمبريالية. وكان ظهور الحركة العمالية والفلاحية في هذه الفترة يعني تلازم النضال الوطني مع النضال الديمقراطي والطبقي.
كانت مرحلة النضال من أجل الجلاء هي المرحلة الأولى للثورة الوطنية الديمقراطية التي انتهت برحيل الاستعمار. وبدأت المرحلة الثانية للثورة التي وصلت إلى ذروتها وكادت تنجز مهامها منتصف الخمسينات، إلا أن التراجع الذي أصاب الحركة الثورية العالمية عموماً قد أعاق إنجاز هذه المهام. لذلك فإن البلاد لا تزال تواجه مهام الثورة الوطنية الديمقراطية على درب يوسف العظمة وسلطان باشا الأطرش ومحمد الأشمر وإبراهيم هنانو وسعيد آغا دقوري والشيخ صالح العلي والشيخ عز الدين القسام وغيرهم من الثوريين.
من أهم الدروس المعاصرة للجلاء العظيم هي الدروس التي أعطتها الحركة الشعبية إبان صعودها في القرن الماضي، فكل حركة كانت تمر بثلاثة مراحل: صعود واستقرار وهبوط، وكان الهبوط مؤقتاً لأن الوضع العام كان صعوداً لهذه الحركات حتى تحقيق مهامها. لذلك كانت الثورات والحركات الجماهيرية متلاحقة في حال أشبه بظرف اليوم عالمياً.