أفراحنا.. نقطة ضوء!

أفراحنا.. نقطة ضوء!

يثبت الواقع دوماً أنه أغنى من أي تحليل يتناوله، وغنى الواقع في هذه المرحلة من تاريخ البشرية عظيم وكبير، يؤسس لتحرير طاقة الإنسان والانتقال به خطوات إلى الأمام وعلى كافة الصعد. فرغم سواد وبؤس المشهد ظاهرياً، إلا أن الاتجاه العام الذي تسير وفقه الأمور تثبت تفوق الإبداع الإنساني في مواجهة الظروف القاسية التي تعصف به وتهدد وجوده.

يعتقد البعض أن هذا التفاؤل مفرط ومبالغ به وقد يصل بهم الأمر إلى حد رفضه. بانياً موقفه على أساس المعطيات اليومية. وهؤلاء غالباً محبطون من حجم وشدة الهزائم والتراجعات والخيبات التي عاصروها، ومن شدة سوء الوضع العام الفعلي السائد، واستمراره.

كيف نتفاهم مع الجديد!

إن الواقع الذي كان يبدو متماسكاً نوعاً ما في مرحلة سابقة يتفكك الآن بشكل سريع، وإنسان ذلك الواقع، الذي كان يشعر بنوع من التماسك، أصبح فجأة مضطراً للتعامل مع هذا التفكك المتسارع.
يجد إنسان هذا العصر نفسه مرتبكاً أمام متغيرات متنوعة وعديدة لم يشهدها سابقاً، ربما لأن هذا التسارع في المتغيرات التي تعصف به لم تسمح له في ترتيب أشيائه، وأفكاره بعد. فالقديم يموت والجديد لم يتبلور بعد، وما بينهما ثمة ركام كثير ينبغي البحث فيه عما هو قابل للحياة والاستمرار. وعن هذا، تختلف المواقف بين الأجيال من جهة وبين أبناء الجيل الواحد من جهة أخرى، فالأجيال التي تزامن فيها النضج الجسدي والنفسي والعاطفي، مع مجموعة من الثوابت والقيم، ما لبثت أن تخلخلت هذه الثوابت في كثير من الأحيان مع الانحدار العام في كافة مفاصل الحياة، أما الآن وفي ظل التفكك الاجتماعي السريع، والعاصفة التي تحدث في العالم أصبحت هذه الثوابت «مهترئة» بنظر الكثيرين.
يصبح التواصل أصعب شيئاً فشيئاً، سواء بين الآباء والأبناء أو بين أبناء الجيل الواحد، ومواضيع الاختلاف كثيرة ومتنوعة، تبدأ من تأمين أساسيات العيش، وتتفرع في مختلف الاتجاهات، كلٌ يحاول البقاء والتأقلم والاستمرار في الحياة، ولكن على طريقته. يصطدمون ببعضهم البعض ويتراشقون مسؤولية تردي أوضاعهم وتعاستها، دون أن ينتبهوا في أحيان كثيرة إلى أن المشكلة الحقيقية لا تكمن فيهم، لا في قصور معرفتهم ولا في سلوكهم، بل تكمن في الواقع نفسه، في الظروف الموضوعية السيئة التي تجعلهم غير قادرين على تلبية احتياجاتهم الأساسية مهما بذلوا من جهد.
إن محاولة لعب دور حقيقي يحتاج إلى رؤية علمية واضحة للواقع الملموس وتناقضاته، ورؤية الجديد النوعي الذي يحمله التغيير المتسارع. يصبح التفاؤل هنا شرطاً ضرورياً لا يمكن من دونه الوصول إلى ما يتعداه، من إدراك ونقد وتخطيط، واستمراراً في الصراع، يرى المتشائم صعوبة في كل فرصة، أما المتفائل فيرى الفرصة في كل صعوبة.
يملك كثيرون شعوراً عاماً ومبهماً نوعاً ما بالتغيير، سواء على مستوى الأحداث والوقائع أو على المستوى الشخصي. وقد لا يلاحظ الفرد ما يحدث من تغير على شخصيته ولكنه بالتأكيد يلاحظ التغير الحاصل عند من حوله، الآباء والأبناء والجيران والأصدقاء...إلخ.

الحرب وحدها هي السبب!

مع بداية الأزمة تعامل الناس مع البؤس المتزايد القادم معها بأشكال مختلفة، وصلت حدتها إلى درجات مختلفة أيضاً، تتناسب مع الظروف التي عاشوها وقدرتهم على التحمل. وحتى الموت أصبح مصدراً في أحيان كثيرة للراحة والخلاص من القهر والوجع والتعب.
ترصد كل من الجنون أو الانهيار، وحتى الموت بمعناه الفيزيولوجي الكثير من الناس، بعض من اقتلعت أشجارهم، اقتلعت أرواحهم معها أيضاً ومن تهدم بيته وصار أنقاضاً لم يتحمل قلبه فتوقف عن الخفقان، وكانت الخسائر البشرية هي الأصعب في المعادلة.
كان توقف الزمن عند البعض، شكلاً من أشكال الهرب من واقع لا يمكن تحمله عند هؤلاء، ورغم أن لكل منهم لحظته الخاصة التي توقف عنها، ولكن جمعتهم حالات وصور متشابهة من تفاقم البؤس والفقر والقهر والخوف أيضاً، الخوف الذي جرى تعزيزه وتعميمه، بهدف تعزيز وتعميم حالة من العجز عن فعل أي شيء سوى الغرق في تفاصيل الحياة اليومية وترك سير الأمور لتقلبات الزمان والمكان. والتعود على أشكال من قهر يومي تراه في زحام الطرق والمواقف والأرصفة، على وجوه بشر هائمين، تحمل عيونهم نظرات زائغة وفارغة.
الموت كل يوم ألف مرة، موت بطيء، يتحول شيئاً فشيئاً إلى أمر اعتيادي يتقبله الجميع دون مقاومة، فيتحقق بذلك هدف من يرى في قوة الناس وإرادتهم خطراً يتوجب استئصاله عبر إبعادهم وإخراجهم من المعادلة، وتحويلهم من أناس فاعلين إلى منفعلين يمكن التحكم بهم بسهولة، فلا مجال للغضب ولا للأمل بأي تغيير محتمل.
يجري وبشكل متعمد تحميل الحرب وزر ما سبق وأنها وحدها هي السبب. ولكن للحقيقة وجه آخر، لقد كانت الحرب نتيجة لكل ما سبقها من تراكمات، وما حدث كان في عمقه انفجار لأزمة عميقة وممتدة في جذورها. إن فهم هذه الحقيقة يساهم في طرح حلول موضوعية للمشكلة لأنه ببساطة يسلط الضوء على الأسباب الحقيقية لها. ثمة من يرفض رؤية تعقيد المشهد، ويسخر من كل شيء، وأية حجة إيجابية توضع أمامه، يقابلها بحججه السلبية الخاصة، وكلّما ظهر تفاؤل بملمح أو منجَز سارع إلى تحجيمه. أن أي منجز يتحقق في طريق الحل مهما كان صغيراً هو خطوة للأمام لأولئك الذين يريدون الحل فعلاً، ويسعون لالتقاط نقاط الضوء وسط الظلمة.
التفاؤل وحده غير كافٍ، ولكنه موقف أخلاقي وقيمي ونفسي لا يمكن من دونه امتلاك الإيمان العميق بعدالة ما يُسعى إليه. والتمسّك بضرورة تحقيقه.

أفراح صغيرة

يبحث الناس عن لحظة فرح يعيشونها، تساعدهم في تخفيف الضغط الهائل الذي يمرون به. يحمل فصل الربيع للسوريين الكثير من المناسبات والأعياد، عيد الأم والنيروز ورأس السنة الآشورية والفصح و...إلخ، تدفع الغريزة الناس للاحتفاء وإقامة أفراحهم الصغيرة، على اختلاف المناسبة، تحضر فيها أمنياتهم في حياة عادلة بعيدة عن كل قيود المألوف والمُعاش والسائد من الخوف والقهر.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1118