هيئة تحرير كليلة ودمنة

هيئة تحرير كليلة ودمنة

كليلة ودمنة كتاب أدبي قصصي فيه من الفلسفة والممارسة السياسية ما هو أكبر من الأدب. في صفحاته وقصصه المكتوبة على شكل حوارات على ألسنة الطيور والحيوانات، اعتراف صريح بدور المعرفة في المجتمعات، وضرورتها لقادة المجتمع.

أضاف إليه كل من الفيلسوف الهندي بيدبا الذي تفرّغ لوضع كتب السياسة، إلى كبير أطباء الفرس بروزويه الذي نقله إلى الفارسية، إلى ابن المقفع الذي ترجمه إلى اللغة العربية.
وكان كل هؤلاء هيئة تحرير تاريخية لكتاب «كليلة ودمنة» الذي هو مثال حي لما يصيب الأعمال والمؤلفات التاريخية من تحرير وإضافة حسب الظروف السياسية السائدة في كل زمن. وأضاف بيدبا وبروزويه وابن المقفع إلى كتاب واحد ما أرادوا من أفكار سياسية خلال ثلاث أزمنة مختلفة. وقال بعضهم إن الكتاب من وضع ابن المقفع نفسه.

أغراض الكتاب

حرر الكتاب على ألسنة الحيوانات والطيور، وحسب مؤلفه، ظهر كتاب كليلة ودمنة إلى الوجود للأسباب التالية: لغرضه فيه من العوام، وضناً «بخلاً» بما ضمنه عن الطّغام «الأرذال الأدنياء» وتنزيهاً للحكمة وفنونها، ومحاسنها وعيونها، إذ هي للفيلسوف مندوحة «متسعة»، ولخاطره مفتوحة، ولمحبيها تثقيف، ولطالبيها تشريف. وجاء في الكتاب إذا ما ظلم الملك شعبه بما معناه، لا يمكننا مجاهدته «الصراع السياسي» بغير السنتنا «بالكلمة» لنردهم إلى فعل الخير ولزوم العدل بين الناس. كما حذر الكتاب الجهال إذا أغفلوا أمر التفكر في هذا الكتاب، وتركوا الوقوف على أسرار معانيه، وأخذوا بظاهره دون الأخذ بباطنه. وصرفوا النظر في أبواب الهزل فقط.
ينقسم الكتاب إلى أربعة أغراض: أحدها ما قصد فيه إلى وضعه على ألسنة البهائم غير الناطقة ليسارع إلى قراءته أهل الهزل من الشبان، فتستمال به قلوبهم: لأن هذا هو الغرض بالنوادر من جيل الحيوان.
والثاني إظهار خيالات الحيوان بصنوف الألوان: ليكون أنساً لقلوب الملوك، ويكون حرصهم عليه أشد للنزهة في تلك الصور. والثالث أن يكون على هذه الصفة: فيتخذه الملوك والسوقة «الرعية» فيكثر بذلك انتساخه، ولا يبطل فيخلق على مرور الأيام، ولينتفع بذلك المصور والناسخ أبداً، والغرض الرابع وهو الأقصى، وذلك مخصوص بالفيلسوف خاصة.

حكم بين السطور

وضع محررو الكتاب بين سطوره حكماً سياسية وفلسفية معبرة، جاء في أحدها على سبيل المثال: وجاءت القبرة ترفرف على رأسه، وقالت: أيها الطاغي المغتر بقوته المحتقر لأمري، كيف رأيت عظم حيلتي مع صغر جثتي عند عظم جثتك وصغر همتك؟ وسعى الكتاب لتحقيق العدل عبر القول: واحد من الملوك يساوي بين القوي والضعيف ويرد المظالم ويضع سنن العدل ويكثر من العطاء والبذل.
وعن صورة الإنسان قال الكتاب: فمن عاش ذا مال وكان ذا فضل وإفضال على أهله وإخوانه فهو وإن قل عمره طويل العمر. ومن كان في عيشه ضيق وقلة وإمساك على نفسه وذويه فالمقبور أحيا منه. ومن عمل لبطنه وقنع وترك ما سوى ذلك عد من البهائم.
بالإضافة إلى ما بين السطور، كانت كل قصة من القصص تضرب مثلاً أو حكمة، فقصة الحمامة المطوقة هي قصة عن ضرورة العمل الجماعي في مواجهة الأخطار، ومن الحكم الرئيسية في القصة: خوض الصراع جماعياً يجعل من الأفراد الضعفاء قوة. أما قصة الناسك وابن عرس، فتتحدث عن ضرورة التروي قبل الإقدام على أمر ما، وعدم التسرع في التصرف.
تحدث الكتاب أيضاً عن كثرة الأعوان إذا لم يكونوا مختبرين، فيكونون مضرة للعمل، فإن العمل ليس رجاؤه بكثرة الأعوان ولكن بصالحي الأعوان. ولعل أفشل الأشياء أجهرها صوتاً وأعظمها جثة. وفي الكتاب صورة للطبقات الاجتماعية على لسان الحيوانات، ووصف لحال توزيع الثروة في المجتمع وجور ضرائب الحكام على الناس.
وعن أقوال الملوك وردت القصة التالية: اجتمع في بعض الزمان ملوك الأقاليم من الصين والهند وفارس والروم، وقالوا ينبغي أن يتكلم كل واحد منا بكلمة تدون عنه على غابر الدهر. فقال ملك الصين: أنا على ما لم أقل أقدر مني على ما قلت. وقال ملك الهند: عجبت لمن يتكلم بالكلمة فإن كانت له لم تنفعه وإن كانت عليه أوبقته.
قال ملك الفرس: إذا تكلمت بالكلمة ملكتني، وإذا لم أتكلم بها ملكتها. وقال ملك الروم: ما ندمت على ما لم أتكلم به قط، ولقد ندمت على ما تكلمت كثيراً، والسكوت عند الملوك أحسن من الهذر الذي لا يرجع منه إلى نفع.

عن ابن المقفع الفارسي

يقول حنا الفاخوري في كتابه «تاريخ الأدب العربي» أن ابن المقفع اشتهر كمصلح اجتماعي حاول إصلاح بطش الملوك وأمراض المجتمع العباسي، فدعا إلى إزالة الظلم والاستبداد وإنشاء العدل والتسلح بالعقل. وكان لابن المقفع ومؤلفاته أثراً كبيراً في الأدب والفلسفة والاجتماع. وكانت نزعته فارسية مثالية حسب قول حنا الفاخوري.
اختلف المؤرخون في سبب مقتل ابن المقفع، وقيل بأنه تشدد في كتابة صيغة الأمان التي وضعها ليوقع عليها أبو جعفر المنصور، لذلك قتله والي البصرة بأمر من المنصور. وكان ابن المقفع ينشط سياسياً عبر مؤلفاته في التاريخ والفلسفة والاجتماع والرسائل الأدبية والسياسية.
من ناحية أخرى، اختلف المؤرخون في أصل كتاب كليلة ودمنة، وقال بعضهم إن ابن المقفع هو من وضعه، وقال آخرون بأنه من أصل هندي، وترجمه ابن المقفع عن الفارسية. وقال الجاحظ ابن المقفع قد وضع الكتاب على هذا الشكل لينجو بنفسه من انتقاد الحكام على ألسنة الطيور والحيوانات. ولكن يوجد تشابه جزئي بين الكتب الهندية وكتاب كليلة ودمنة. لذلك قال المؤرخون المعاصرون أن ابن المقفع قد ترجم الكتاب. ولكن الكتاب شبيه بكتب ابن المقفع الأخرى أيضاً، ويشير ذلك إلى شكوك حول إضافات لابن المقفع على الكتاب الهندي المترجم من الفارسية. فالكتاب هو مزيج بين كل هؤلاء.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1095
آخر تعديل على الإثنين, 07 تشرين2/نوفمبر 2022 11:34