الفلسفة على لسان ماوكلي

الفلسفة على لسان ماوكلي

ماوكلي Mowgli أو كتاب الغابة Jungle Book اسم لرواية نشرها الروائي البريطاني روديارد كيبلينغ نهاية القرن التاسع عشر. أخذ كيبلينغ ببراعة حكايات وأساطير الهنود وحول تلك الحكايات التراثية إلى رواية إنكليزية شهيرة.

ولكن الأساطير والحكايات الفعلية حول ماوكلي أعمق من الرواية التي كتبها روديارد كيبلينغ لأنها كانت محاولة هندية قديمة لتفسير المجتمع البشري أخذت شكل الأسطورة والحكاية التراثية.

الحيل

مختصر القصة أن الفتى ماوكلي قد ربته عشيرة من الذئاب وعاش في الغابة مع أصدقائه: الدب والفهد.
من خلال يوميات القصة، يبدو الفرق واضحاً بين الإنسان والحيوان من خلال «الحيل» التي كان يستخدمها ماوكلي. وكانت هذه الحيل محرمة في الغابة لأنها من صنع الإنسان، وتسبب امتعاض أقربائه الذئاب وصديقه الفهد. لأن هذه الحيل كانت تعني تدخلاً في الطبيعة وخرقاً لقانون الغابة الذي يجب أن يحترمه الجميع.
والحيل هنا هي أدوات العمل التي كان يصنعها ماوكلي للحصول على الطعام أو المساعدة في تسلق الأشجار والجبال مثل الحبال وأدوات القطع والضرب وغيرها.
أي إن التراث الهندي القديم قال بشكل غير مباشر إن العمل وصناعة أدوات العمل هو ما يميز الإنسان عن الحيوان.

الوردة الحمراء

يقع ماوكلي في جدال مع زعيم قطيع القردة الذي طلب من ماوكلي خدمة ومساعدة كبيرة متوسلاً بشدة أن يعلمه كيفية السيطرة على «سر الوردة الحمراء» التي يخافها الجميع في الغابة حتى النمر شيريخان. ومن يسيطر على الوردة الحمراء سيسيطر على الغابة وجميع من في الغابة.
والوردة الحمراء على لسان سكان الغابة هي النار. وتقدم قصة النار هنا كفرق واضح بين الإنسان والقرد، فالإنسان قادر على إشعال النار والسيطرة على النار، بينما تعجز القردة عن إشعال الوردة الحمراء والسيطرة عليها حتى لو أرادوا ذلك. وظهر زعيم قطيع القردة في أسطورة ماوكلي متمنياً السيطرة على النار وعاجزاً عن ذلك في نفس الوقت.
تاريخياً، كان اكتشاف النار نقلة نوعية في حياة الإنسان، وحسب فريدريك إنجلز، كان اكتشاف النار أهم ما يميز طور الوحشية الأوسط. ويوجد عند عدد كبير من الشعوب تراث يعكس أهمية النار في حياة الإنسان من خلال القصص والأساطير القديمة والعادات والطقوس الاحتفالية المختلفة مثل النوروز عند شعوب الشرق وإطعام النار في ياقوتيا ورقصة النار عند الهنود الحمر والروس القدماء قبل المسيحية.

هدنة الماء

جرى تصوير المجتمع البشري عبر حيوانات الغابة وقت «هدنة الماء» التي هي سلام مؤقت بين جميع الحيوانات المفترسة وغير المفترسة أثناء انحسار مياه النهر لضمان وصول الماء إلى الجميع. ويمنع على الجميع خرق قانون هدنة الماء.
وعبر قصة هدنة الماء الرمزية، يجري انتقاد المجتمع القائم على الصراع والعنف والقتال، كما تجري الدعوة إلى السلام بين الجميع. والماء هنا رمز للثروة التي هي حق للجميع.
وكان قدماء الهنود مشهورين في تأليف القصص على ألسنة الحيوانات، ولكنها كانت تقصد المجتمع البشري والصراع على السلطة والثروة مثل قصة كليلة ودمنة وغيرها.

الذئب والاسطورة

تشبه قصة ماوكلي العديد من قصص الشعوب الأخرى وفي مناطق مختلفة. فقصة ماوكلي هي أسطورة هندية عن فتى تربيه عشيرة من الذئاب في أحد الكهوف.
وهذه الأسطورة شبيهة إلى حد كبير مع أسطورة «أوغوار» الجد الأسطوري للشعوب التركية الذي ربته الذئاب في أحد كهوف جبال ألطاي «جمهورية ألطاي في روسيا». ويقول المنغول إن جدهم الأسطوري كان ذئباً. وحسب أسطورة تأسيس مدينة روما، فقد ربت ذئبة كابيتولينا «روميا سيدة الذئاب» كل من روموس ورومولوس مؤسسي مدينة روما في أحد الكهوف الجبلية في إيطاليا القديمة.
وهذا التشابه في الأساطير يدل على شيء قديم مشترك بين هذه الشعوب في الأزمنة القديمة جداً.
فحسب اكتشافات علم الآثار ومقارنات علم الأحياء، كان الذئب أول حيوان دجنه الأنسان، واستُخدم في الصيد أول الأمر قبل أن يتعلم الإنسان رعي الماشية، وفيما بعد تعلم الإنسان تدجين بقية الحيوانات ونشأ الرعي. وحسب الاكتشافات الأثرية ومقارنات علم الأحياء، جرى تدجين الذئب في سفوح جبال زاغروس قبل عشرات الآلاف من السنين، وربما ستحدث اكتشافات أثرية جديدة ستقول إن التدجين الأول قد جرى في مناطق أخرى.
بغض النظر عن الموطن الأصلي للتدجين الأول، كان التدجين والرعي نقلة نوعية في تطور البشرية، انتقل الإنسان خلالها من الاستهلاك إلى الإنتاج. وهذا ما يفسر الحضور القوي لأسطورة الذئب عند عدد كبير من شعوب العالم في القارات الخمس. ونتيجة لذلك انفصلت كلاب الصيد عن الذئاب، ونشأت سلالتان من الأقرباء خلال تطور استمر عشرات الآلاف من السنين. وحدث ذلك حسب المقارنات التقريبية لعلم الأحياء وعلم الآثار في الفترة بين 40-20 ألف سنة ق.م.
وتبع ذلك ظهور الزراعة وانتقال الإنسان من نمط حياة الرحل الصيادين وجامعي الغذاء والرعاة الرحل إلى نمط الاستقرار قبل حوالي 15-12 ألف سنة ق.م حسب علم الآثار.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1091