رجال صناعة التاريخ!
تتعدد دواعي استحضار الحوادث التاريخية، فمنهم من يلجأ إلى ذلك لكي يغطي عجزه في الحاضر، فليس لديه إلا البكاء على الأطلال والاكتفاء بالتغني بالأمجاد، وقد نجد من هؤلاء من يوظف هذا المنجز التاريخي أو ذاك، لغايات انتهازية مستفيداً من دور هذه الحوادث التاريخية في تكوين الوعي الجمعي فيأخذ منها ما يبرر سلوكه في الحاضر، وما يحقق غاياته ومصالحه الذاتية، ومنهم من ينظر إلى الحوادث والظواهر التاريخية نظرة متعالية وفوقية خارج شرطي الزمان والمكان، وبالتالي يصل إلى استنتاجات خاطئة عن الحاضر..
رفض «يوسف العظمة» تقديم استقالته من الحكومة التي تم حلها تحت ضغط شروط حملة «غورو»، ورفض حل الجيش وقرر الدخول في مواجهة محسومة النتائج بالمعنى العسكري، عارفاً أنه سيدفع حياته ثمناً لها، فأودع ابنته الوحيدة «ليلى» أمانة لدى الأصدقاء وذهب إلى الميدان.
رفض سلطان باشا الأطرش تسليم المستجير بالجبل «أدهم خنجر» لعسكر المحتل، وهو «المتهم» بمحاولة اغتيال «غورو» مع «أحمد مريود»، ومنع ذلك بقوة السلاح لتكون شرارة الثورة، وامتنع الرجل عن تسلّم أي منصب رسمي بعد الاستقلال.
حاول دهاقنة المستعمر الاتكاء على التنوع الديني فقدّموا لـ«فارس الخوري» الإغراءات ليرحب بهم بداعي «حماية» المسيحيين، ردّ الرجل من الجامع الأموي تحديداً وليس من مكان آخر: «لا إله إلا الله..» لتمشي دمشق كلها في مظاهرة خلفه..
لا يستطيع أحدٌ اليوم أن يشكك بأهمية الفعل النوعي الذي بادر إليه هؤلاء في حينه، وسموّ ما امتلكوا من منظومة قيم أسسوا من خلالها لمرحلة تاريخية جديدة، ولكن هل يكفي فقط التغني بهذه الأسماء، والتذكير بالفعل النوعي الذي بادرت إليه، على أهمية ذلك؟
إن الأهم هو استكمال الرسالة التاريخية التي خط هؤلاء حروفها الأولى، استكمالها وفق معطيات الحاضر، وضرورات الحاضر، وأدوات الحاضر، وتمثّل تلك القيم المفاهيم قولاً وفعلاً.. أما الاتكاء على هذه الرموز قولاً، والتصرف بما يفرغها من محتواها، فلا يعني إلا استهلاكاً لتلك الرموز، وتشويهاً للذاكرة.. وبالمحصلة، لا يختلف هذا الموقف عن موقف من شكك في حينه، ويشكك الآن، بأهمية الدور الذي لعبه هؤلاء في صنع التاريخ الحديث لسورية.