ما بعد زمن الحروب والأوبئة والجوع والتوحّش
ليست المرة الأولى التي تشهد فيها البشرية اليوم الفظائع والنتائج الكارثية للحروب الرأسمالية والأوبئة والمجاعة والتوحش. ففي بداية القرن العشرين، عاشت البشرية ظروفاً مشابهة، ظروف الحرب والجوع والأوبئة، وجاءت ثورة أكتوبر للنضال ضد هذه الظروف في النهاية. وقد تنبأ فريدريك أنجلس بهذه الظروف قبل حدوثها بثلاثين عاماً، كما تنبأ بالثورة العمالية قبل حدوثها بثلاثين عاماً.
ظروف بداية القرن العشرين
في نهاية القرن التاسع عشر، دخلت الرأسمالية مرحلتها العليا «الإمبريالية». وبدأت الدول الإمبريالية تتنافس على اقتسام العالم، فاشتعلت الحرب العالمية الأولى التي قتل فيها حوالي 10 ملايين شخص.
وفي نفس الوقت، انتشرت الأوبئة وحصدت أرواح الملايين حول العالم، مثل الإنفلونزا الإسبانية في العالم الرأسمالي «أوروبا وأمريكا». ولم تدخل ضحايا الأوبئة في عداد خسائر الحرب العالمية الأولى.
حدث المجاعات في مختلف البلدان ومات الناس جوعاً بأعداد كبيرة. مثل المجاعة في سورية ولبنان والجزيرة والعراق والأناضول. وحدثت المجازر التي أبيدت فيها العديد من الشعوب التي بدأت تنتفض دفاعاً عن نفسها. وفي هذا الوقت، تصاعد نضال الطبقة العاملة في العالم الرأسمالي، كما تصاعد نضال شعوب المستعمرات. وإن كانت الحرب العالمية الأولى قد قطعت تطور هذا النضال مؤقتاً. إلّا أن هذا النضال قد تصاعد في نهاية الحرب، وحدثت ثورة أكتوبر الاشتراكية عام 1917 وتساقط الملوك والقياصرة بالجملة في أوروبا.
قبل حدوث كل تلك الظروف بحوالي ثلاثين عاماً، وفي العام 1887، تحدّث فريدريك أنجلس عن الحرب العالمية التي صارت على الأبواب. وتحدث عن انتشار الأوبئة والمجاعة والتوحش. وأكد أن نتيجة ذلك هي انتصار الطبقة العاملة. أي كان يرى ثورة أكتوبر قبيل حدوثها بثلاثين عاماً.
ما كتبه أنجلس
من الآن وصاعداً لم تبق أية حرب ممكنة بالنسبة لبروسيا _ألمانيا_ غير الحرب العالمية. وستكون حرباً عالمية لا سابق لأبعادها ولا سابق لقوتها. فإن ثمانية أو عشرة ملايين جندي سيخنق بعضهم بعضاً، ويلتهمون أوروبا بأسرها بصورة تامة كما لم تلتهم يوماً من قبل سحب الجراد. إن الخراب الذي تسببت به حرب السنوات الثلاثين مضغوط على امتداد ثلاث أو أربع سنوات، ومنشور في القارة جمعاء، والمجاعة والأوبئة، وتوحش العساكر والجماهير الشعبية على السواء، الناجم عن العوز المدقع، والتشويش الميؤوس منه في آليتنا الاصطناعية في التجارة والصناعة والتسليف. كل هذا سينهي الافلاس العام، وانهيار الدول القديمة وحكمتها الدولية الروتينية انهياراً فظيعاً إلى حد أن التيجان ستتساقط على الأرض بالدزينات ولا تجد أحداً يلمها، الاستحالة المطلقة للرؤية سلفاً كيف سينتهي كل هذا ومن سيخرج منتصراً في الصراع. إلّا أن هناك نتيجة واحدة لا ريب فيها إطلاقاً، هي الضنى العام، وتوفر الشروط لأجل انتصار الطبقة العاملة النهائي.
تلك هي الآفاق إذا ما سير بنظام المزاحمة في التسلح الحربي إلى الحد الأقصى وأوتي في آخر المطاف ثماره المحتمة. إليكم، أيها السادة الملوك ورجال الدولة، إلى أين قادت حكمتكم أوروبا العجوز. وإذا لم يكن قد بقي لكم أي شيء غير افتتاح الرقصة الحربية العظيمة الأخيرة، فإننا لم نبكِ. لتمضِ الحرب حتى إلى دفعنا أغلب الظن، إلى المؤخرة لفترة من الزمن، ولتنتزع منا بعض المواقع المكتسبة. ولكن إذا أطلقتم العنان للقوى التي لن تتمكنوا فيما بعد من كبح جماحها، فإنكم كيفما سارت الأمور، ستكونون في نهاية المأساة أنقاضاً، وسيكون انتصار البروليتاريا إما مكتسباً، وإما على كل حال محتماً.
من مقدمة لكراس بوركهيم «على ذكرى الوطنيين الصياحين 1806-1807». مؤرخة بتاريخ 15 كانون الأول 1887. ماركس أنجلس، بصدد الثورة الاشتراكية، دار التقدم 1983، ص 306-307.
ظروف القرن الواحد والعشرين
ما هو القاسم المشترك بين الأمس واليوم، بين بداية القرن العشرين وبداية القرن الواحد والعشرين: الحروب، الأوبئة، الجوع والمجاعات، التوحش، إمبريالية الرأسمالية. مع الأخذ بعين الاعتبار وإضافة الظروف الجديدة للعصر الراهن.
ونسأل السؤال التالي: متى ستحدث الثورة الاشتراكية في القرن الواحد والعشرين؟ إذا كانت الثورة الماضية قد حدثت في فترة نهاية الحرب العالمية الأولى ونهاية الأوبئة؟
بغض النظر عن موعد الثورة الاشتراكية القادمة، وهي قادمة حتماً. فإن الحروب والأوبئة والمجاعة والتوحش واستمرار تحطيم القوى المنتجة ستضع الناس أمام خيارين: اما الاشتراكية أو البربرية. وما يجري اليوم هو دفع المنظومة الرأسمالية باتجاه البربرية. ولكن الناس سيختارون الاشتراكية.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1056