طبقات الأمم /2/
محمد عادل الملا محمد عادل الملا

طبقات الأمم /2/

قلنا إن الطبقة التي عنيت بالعلم ثماني أمم، والقصد هو التعريف بعلومهم والتنبيه على علمائهم.

أمة الهند أمة كثيرة العدد عظيمة القدر، فمن الممالك اشتهرت بالحكمة والحسن في تدبير المعرفة. وكانوا يسمّون ملك الهند ملك الحكمة لفرط عنايتهم بالعلوم وتقدمهم في جميع المعارف.
وكانت الهند عند جميع الأمم على مر الدهور وتقادم الأزمان، معدن الحكمة وينبوع العدل والسياسة وأهل الأحلام الراجحة والآراء الفاضلة والأمثال السائرة والنتائج الغريبة واللطائف العجيبة.
والهنود أنواع منهم براهمة ومنهم صابئة. البراهمة فهي فرقة قليلة العدد فيهم شريفة النسب عندهم. منهم من يقول بحدوث العالم أو خلق العالم فهو مخلوق. ومنهم من يقول بأزليته، ولكنهم مجمعون على إبطال النبوات وتحريم ذبح الحيوان والمنع من إيلامه وأكل أقواته. أما الصابئة وهي جمهور الهند ومعظمها، فإنها تقول بأزل العالم وقدمه، وأنه معلول لذات العلة العلل التي هي الباري، وتعظم الكواكب، وتصور بها الصور، تمثلها بها وتقربها إليها بأنواع القرابين.
ولبعد الهند من بلاد الأندلس، قلت عندهم تآليفهم، ولم يصل منها إلا طرف من علومهم، وما وردت عليهم إلا نبذ من مذاهبهم، وما سمعوا إلا القليل من علمائهم، ومن مذاهب الهند في علوم النجوم مذهب السند هند أو الدهر الداهر، وهو المذهب الذي حمله عدد من العلماء المسلمين من بينهم موسى الخوارزمي.
ومما وصل إلى الأندلس من علومهم في الموسيقى كتاب «يافر» أي ثمار الحكمة فيه من أصول اللحون وجوامع تأليف النغم. ومن كتبهم التي وصلت في إصلاح الأخلاق وتهذيب النفوس كتاب «كليلة ودمنة» الذي جلبه برزويه الحكيم الفارسي إلى أنوشيروان بن قباد بن فيروز ملك الفرس، وترجمه من الهندية إلى الفارسية، ثم ترجمه إلى العربية عبد الله ابن المقفع. وهو كتاب شريف الغرض جليل المنفعة. ومن الكتب التي وصلت من علوم في العدد حساب النهار الذي شرحه الخوارزمي. كما وصل أيضاً من الهند الشطرنج. ومن علماء الهند المشهورين بهيئة عالم وترتيب الأفلاك وحركات النجوم كنكة. وقد ذكر أبو معشر جعفر بن محمد البلخي في كتابه «الآلاف» أنه كان مقدماً في علم النجوم في الهند.
أمة الفرس، واشتهروا بحسن السياسة وجودة التدبير، ولا سيما ملوكهم بني ساسان، وقد عنوا بالطب عناية بالغة وسهروا في إحكام النجوم وبأثرها في العالم السفلي. ولهم كتب جليلة منها كتاب «صور درجات الفلك» وينسب إلى زرادشت. وكتاب «التفسير» وكتاب «جاماسب».
ويقال إن الفرس كانوا على دين نوح ثم تحولوا إلى الصابئة في عهد بوداسف وقد استمر على التشرع به مدة 1800 سنة ثم تمجسوا جميعاً على يد زرادشت من تعظيم النار وسائر الأنوار والقول بتركيب العالم من النور والظلام واعتقادهم القدماء الخمسة: الباري وإبليس والهيولى والزمان والمكان. فقاتل زرادشت أهل الفرس حتى انقادوا جميعاً إلى المجوسية ورفضوا الصابئة. واعتقدوا بزرادشت نبياً مرسلاً إليهم وظلوا على ذلك حتى خلافة عمر بن الخطاب.
الأمة الكلدانية ومنهم علماء وحكماء وفضلاء يتوسعون في فنون المعارف من المهن التعليمية والعلوم الرياضية والإلهية. وكانت لهم عناية بأرصاد الكواكب وأحكامها. وأجلّ علمائها وأشهرهم هو هرمس البابلي، وكان في عهد سقراط الفيلسوف اليوناني، وهو الذي صحح كثيراً من كتب الأوائل في علم النجوم وغيره من أصناف الفلسفة مما كان قد فسر.
اليونانيون، وكانت عامة اليونانيين صابئة معظمة الكواكب أو عبادة الأصنام. وكان علماؤهم يسمون فلاسفة. ومعنى الفيلسوف في لغتهم «محب الحكمة». ويعد فلاسفة اليونان من أرفع الناس طبقة وأجل أهل العلم منزلة. وأعظم هؤلاء الفلاسفة خمسة: بندقليس ثم فيثاغورث ثم سقراط ثم أفلاطون ثم أرسطو وهم المجمع على استحقاقهم اسم الحكمة.
أما بندقليس فقد عاصر النبي داود وكان قد أخذ الحكمة عن لقمان الحكيم بالشام ثم انصرف إلى بلاد اليونانيين فتكلم في خلقة العالم بأشياء تقدح ظواهرها، لذلك بعضهم وطائفة من الباطنية تنتمي إلى حكمته، وقد كلف بفلسفته محمد بن عبد الله بن مسرة الجبلي الباطني من أهل قرطبة ودأب على دراستها.
أما فيثاغورث فقد جاء بعد بندقليس بقرن، وكان قد أخذ الحكمة من أصحاب سليمان بن داود بمصر حين دخل إليها من بلاد الشام وأخذ الهندسة عن المصريين ثم رحل إلى بلاد اليونان. وأدخل عندهم علم الهندسة وعلم الطبيعة وعلم الدين وكان يعتقد أنه فوق عالم الطبيعة عالم روحاني نوراني لا يدرك العقل حسنه وبهاءه، وله تآليف في الرياضيات والموسيقى.
أما سقراط فقد اقتصرت فلسفته على العلوم الإلهية، وخالف اليونانيين في عبادة الأصنام وفند آراء رؤسائهم بالحجج والبراهين، فحرضوا العامة عليه وأجبروا ملكهم إلى سجنه وسقيه السم تفادياً من شرهم بعد مناظرات جرت له مع الملك. ولكنّ آراءه ضعيفة بعيدة عن محض الفلسفة خارجة عن المذاهب المحققة.
وأما أفلاطون الذي أخذ عن فيثاغورث وصنف كتباً كثيرة مشهورة في ضروب الحكمة ذهب فيها إلى الرمز والاعتراف، فعرف هو وتلاميذته بالمشائين. واعتزل التعليم في آخر عمره.
وأما أرسطو فكان تلميذاً لأفلاطون، وكان أفلاطون يؤثره على سائر تلاميذه. وكان يحب «العقل الكلي». وإلى أرسطو انتهت فلسفة اليونانيين وهو خاتمة حكمائهم وسيد علمائهم وهو أول من خلص صناعة البرهان من سائر الصناعات المنطقية وصورها بالأشكال الثلاثة وجعلها آلة العلوم النظرية حتى لقب «صاحب المنطق».

معلومات إضافية

العدد رقم:
1055
آخر تعديل على الإثنين, 31 كانون2/يناير 2022 20:06