صورتان من تاريخ الحركة الوطنية
تايه الجمعة تايه الجمعة

صورتان من تاريخ الحركة الوطنية

تحسين باشا الفقير وفوزي القاوقجي، اثنان من قادة الحركة الوطنية السورية، ارتبط اسمهما مع مرحلة النضال في سبيل جلاء الاستعمار الفرنسي عن البلاد والنضال ضد الصهيونية.

حامي راية ميسلون

جاء في مذكرات تحسين باشا الفقير أن يوسف العظمة خاض معركة ميسلون تحت راية اللواء الأول. حيث كان تحسين باشا الفقير أحد القادة الذين رفضوا قرار الملك فيصل بحل الجيش، وسار إلى ميسلون مع وزير الحربية يوسف العظمة مشاركاً في المعركة ضد الاحتلال الأجنبي.
أسس يوسف العظمة مجلساً حربياً مكوناً بالإضافة إليه من قائد اللواء الأول الأميرالاي تحسين باشا الفقير وآخرين، وبدأت الاستعدادات للذهاب إلى ميسلون ووزع تحسين باشا الفقير تشكيلاته في نواحي مجدل عنجر وحاصبيا وراشيا ومحيط العاصمة دمشق، من حفر للخنادق وتجهيز المتاريس والتحصينات وكان الفقير يقود قلب القوات. حكم عليه الفرنسيون غيابياً بعد معركة ميسلون فغادر البلاد مع بقية الوطنيين. «إحسان هندي، كفاح الشعب العربي السوري، ص 41-43. مذكرات تحسين باشا الفقير، ص 31-53».
استلم تحسين باشا الفقير علم معركة ميسلون «علم اللواء الأول» من وزير الحربية يوسف العظمة في معركة ميسلون، واحتفظ تحسين باشا الفقير بالعلم في منزله حتى تحقيق الجلاء عام 1946، حيث جرى نقل علم معركة ميسلون إلى المتحف الوطني في دمشق باحتفالات رسمية يوم 28/9/1946. «صحيفة ألف باء 29 أيلول 1946».
كان تحسين باشا الفقير في ثلاثينات القرن العشرين على اتصال مع الحزب الشيوعي في دمشق. ففي أوائل عام 1935، اتصل تحسين باشا الفقير مع القيادي الشيوعي ناصر حدة من أجل الاجتماع مع الحزب والتحدث وعرض القضايا. فاجتمع به كل من ناصر حدة ومحمود الأطرش.
دار الحديث في البداية عن الثورة السورية الكبرى، وكيفية تطورها وما تبعها من أهم الحوادث، وخيانة البعض لها، وما أظهره الشعب والثوار من بطولات خارقة في مقاومة جيش الاحتلال الفرنسي، وتحدثوا عن أمكانات الثورة والأسلحة الرديئة التي كان الثوار يستعملونها في البداية وطرق الحصول عليها، وصولاً إلى قضايا الساعة، «قضايا الثورة المسلحة في الوقت الحاضر وأنواع الأسلحة المطلوبة» حسب رأيه.
عند سؤاله عن القوى المشاركة في البلاد السورية وعن علاقته بقدماء الثوار، أجاب تحسين باشا الفقير بأنه وحده قد فكر في هذا المشروع وهو يطلب الأسلحة من أجل تفجير الثورة، فالثورة حسب رأيه هي توفر الأسلحة فقط.
أخبره الرفاق أن الثورة قضية مهمة في حياة الشعوب، ولا يجب الإقدام عليها بدون مشاركة واسعة من الشعب وقواه الوطنية، وتلجأ الشعوب إلى الكفاح المسلح عند فقدان الوسائل السلمية، ولكنها تحتاج إلى نضوج القوى والاستعدادات. فلن يكتب النجاح لهذا المشروع بمعزل عن الجماهير الشعبية الواسعة، العمال والفلاحون في المدن والقرى، وعن طريق منظماته وأحزابه الثورية. ولو كان الأمر في السلاح فقط، لأحرز شعبنا الاستقلال منذ زمن بعيد. فللثورة شروطها ويجب أخذها بعين الاعتبار.
وكان الجنرال الطاعن في السن بملامحه الجدية والحذرة يومئ برأسه علامة الموافقة. وأبدى موافقة تامة على ما طرحه الرفاق، وبرأيه يحتاج ذلك إلى زمن طويل وكان يقص على الرفاق أخبار البطولات ودور الجرأة في كسب المعارك. فقال له الرفاق إن هذا الزمن الطويل هو ما يؤمن النصر. استمر هذا الاجتماع طوال الليل مع تسحين باشا الفقير ورفاقه، وافترقوا صباحاً على أن يعودوا إلى الاجتماع مرة أخرى. «طريق الكفاح في فلسطين والمشرق العربي، مذكرات القائد الشيوعي محمود الأطرش المغربي (1903-1939) إعداد وتحرير: ماهر الشريف، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت 2015، الصفحات 258-260».

فوزي القاوقجي وخالد بكداش

فوزي القاوقجي قائد وطني ارتبط تاريخه مع نضال الشعوب العربية في سورية وفلسطين وغيرها من البلدان. فهو من فجر معارك الثورة السورية الكبرى في مدينة حماة. وقاد فصائل ووحدات من الثوار في غوطة دمشق.
وعندما نزح الثوار إلى واحة الأزرق خارج البلاد، أعاد فوزي القاوقجي تنظيم الثوار ودخل سورية من جديد ربيع عام 1927، وقطعها من الجنوب إلى الشمال وهو يخوض معارك الأنصار ضد المستعمر في اللجاة وحوران وجبل العرب والغوطة والقلمون ونواحي حمص وحماة والسلمية وصولاً إلى نواحي جبل الزاوية في الشمال. ثم عاد وقطع سورية من الشمال إلى الجنوب على نفس الطريق، تلاحقه القوات الاستعمارية، وهو يخوض كفاح الأنصار ضدهم بعناد صيف عام 1927. وكانت حملة القاوقجي آخر حملات الثوار الكبرى. «مذكرات فوزي القاوقجي، إعداد د. خيرية قاسمية 1995، ص 91-147».
في عام 1947، وعندما كانت الحركة الشيوعية تحذر من مؤامرة استعمارية بريطانية لتقسيم فلسطين، شارك خالد بكداش وفرج الله الحلو في النشاطات العالمية لفضح الاستعمار والصهيونية، ومطالبين بجلاء الاستعمار عن أرض فلسطين.
شملت النشاطات العديد من البلدان، ففي لندن عاصمة الاستعمار البريطاني، عقدت الأحزاب الشيوعية في المستعمرات البريطانية مثل الحزب الشيوعي الهندي والحزب الشيوعي العراقي وعصبة التحرر الوطني في فلسطين وبمشاركة الحزب الشيوعي في سورية ولبنان والحزب الشيوعي البريطاني وغيرهم مؤتمراً ضد الاستعمار البريطاني ومن أجل حرية بلدان المستعمرات وجلاء الاحتلال عنها ومن أجل جلاء الجيوش الاستعمارية عن فلسطين حالاً وإلغاء الانتداب، وتحقيق الاستقلال التام وحق شعب فلسطين في تقرير مصيره.
كما عقدت نشاطات في جامعة لندن، وعندما دخل خالد بكداش وفرج الله الحلو إلى الجامعة، استقبله الحضور بهتاف عاصف. وفي باريس، قدّم خالد بكداش ممثلي الحركة الوطنية الفلسطينية إلى قادة الحزب الشيوعي الفرنسي. وعقدت نشاطات مشابهة في براغ عاصمة تشيكوسلوفاكيا. وعند عودة بكداش والحلو إلى بيروت، استقبلوا من قبل 15 ألف شخص بهتافات عاصفة، وجرى استقبال مشابه في دمشق، وكانت الصحف العربية المختلفة تنشر أخبار هذه النشاطات، وحظيت هذه النشاطات على احترام الحركة الوطنية.
فقد نشرت إحدى الصحف تحت العنوان التالي «فوزي القاوقجي يرحب بخالد بكداش»: كان استقبال رئيس الحزب الشيوعي السوري الأستاذ خالد بكداش عند عودته إلى دمشق من رحلته الموفقة إلى أوروبا حدثاً بارزاً من أحداث دمشق العربية، فقد احتشدت ألوف الجماهير من مختلف الطبقات ترحب بالقائد العربي الكبير، وتوافد المهنئون إلى دار الحزب الشيوعي السوري للترحيب به. وقد أرسل المجاهد الكبير فوزي القاوقجي مرافقه الخاص إلى مكتب الحزب الشيوعي حاملاً تحياته ومعتذراً بأنه مريض ويحيط به الأطباء مما منعه الحضور بشخصه. «جريدة الاتحاد، لسان حال العمال العرب في فلسطين، عصبة التحرر الوطني في فلسطين، أعداد مختلفة في شباط وآذار ونيسان وأيار وحزيران 1947».

معلومات إضافية

العدد رقم:
1037
آخر تعديل على الإثنين, 27 أيلول/سبتمبر 2021 23:05