محطات من الذاكرة الحلبية
تايه الجمعة تايه الجمعة

محطات من الذاكرة الحلبية

خلال حوالي 150 عاماً، صنعت منطقة حلب محطاتها التاريخية خلال ظروف مختلفة، التي لا يمكن تجاوزها عند الحديث عن التاريخ السوري منذ القرن الأخير تحت الحكم العثماني مروراً بمرحلة الاستعمار الفرنسي ومرحلة الجلاء والاستقلال.

الكفاح الحلبي ضد الاستعمار

ألهبت ثورة أكتوبر الاشتراكية العظمى شعوب الشرق المكافحة ضد الاستعمار، وخاصة بعد فضحها للاتفاقيات الاستعمارية السرية «سايكس بيكو». وكانت لمدينة حلب محطات عديدة في النضال ضد الاستعمار أبرزها:
رفضت الفصائل العربية المشاركة في الحرب إلى جانب الحلفاء، وفي شباط 1919 حدثت انتفاضة كبيرة قام بها الفيلق العربي في منطقة حلب حيث طالب بعقد صلح منفرد وإعلان استقلال سورية. «شبه جزيرة العرب والدول الأوروبية الكبرى، موسكو 1924، ص 206-208».
كانت منطقة حلب كباقي مناطق سورية مسرحاً للثورات المعادية للاستعمار منذ 1919، حيث قاد إبراهيم هنانو ثورة كبيرة في نواحي وجبال إدلب وغرب حلب، وكان ثوار حلب من عداد رجال هذه الثورة، كما كان هنانو ينسق مع الوطنيين في حلب. وحدثت ثورة في جبل الأكراد/عفرين بقيادة محو إيبو شاشو الذي أطلق الرصاصة الأولى على الاستعمار عام 1918، وحدثت مناوشات ومعارك ضد الاستعمار في عين العرب وجرابلس وريف حلب الشرقي امتداداً حتى عنتاب.
لم يدخل المستعمرون مدينة حلب نفسها إلا بعد معركة كبيرة على أبوابها «معركة المسلمية يوم 20 تموز 1920». وعندما أعلن البرلمان الحلبي الذي شكله الفرنسيون فصل حلب عن سورية، حدثت مظاهرات ومواجهات في مدينة حلب رفضاً لهذا القرار.
وعند اندلاع الثورة السورية الكبرى بقيادة سلطان باشا الأطرش، امتدت الثورة إلى حلب على شكل معارك شعبية ومظاهرات عنيفة وإضرابات عمالية لدرجة أن الفرنسيين نصبوا الرشاشات فوق أبنيتهم وقصفوا نواحي حلب عدة مرات، واعتقلوا الوطنيين ونقلوهم إلى المنفى في سجن الحسكة.
في العام 1928، أنشأ إبراهيم هنانو حزباً جديداً «الكتلة الوطنية»، وفي فترة 1928-1935، كانت المظاهرات الوطنية والإضرابات العمالية والشعبية التي تبدأ لأي سبب تنتهي عند منزل إبراهيم هنانو في مدينة حلب. وعندما توفي إبراهيم هنانو عام 1935 نظمت جنازة جماهيرية كبيرة في حي الجميلية بمشاركة مختلف القوى السياسية. كما أن الإضراب الخمسيني قد بدأ عام 1936 في الذكرى الأربعين لوفاة هنانو، وامتد إلى مختلف أنحاء سورية ومنها حلب. وكان أهالي حلب يحيون ذكرى رحيل هنانو سنوياً.
وعندما اندلعت انتفاضة الجلاء ربيع عام 1945، كانت مدينة حلب والنواحي التابعة لها مثل جرابلس وعين العرب وعفرين ونواحي إدلب المختلفة مسرحاً للكفاح الوطني من أجل تحرير البلاد وطرد الاستعمار.

كيف عرفت حلب الأفكار البلشفية؟

نشأت أول منظمة شيوعية كبيرة في حلب عام 1922-1923، والثانية في بيروت، وتوج ذلك بنشوء الحزب الشيوعي في سورية ولبنان عام 1924.
ساعد الجو العام عالمياً ووطنياً على انتشار الأفكار البلشفية في حلب، ومنها إضرابات العمال التي بدأت تحدث مثل إضرابات عمال السكك الحديدية في حلب سنوات 1920-1921.
تأسست منظمة حلب بمبادرة من عامل الطباعة ماسيس بانوسيان، وستراك هايكازيان، وستيبان كافافيان وحوالي 15 عاملاً آخر. ولعبت هذه المنظمة رغم صغر عمرها دوراً مهماً خلال الثورة السورية الكبرى. فعن طريقها كان يجري توزيع الصحف التي يصدرها الرفاق في منافي الرقة إلى مناطق سورية ولبنان وغير ذلك.
وصلت الأفكار البلشفية إلى مدينة حلب منذ نهاية الحرب العالمية الأولى 1917-1918، وتسربت إلى جنود الجيش العثماني التواقين إلى السلام والذين سمعوا في مدينة حلب بمراسيم ثورة أكتوبر ومنها مرسوم السلام. وكانوا يقولون في ذلك الوقت: لن يخلصنا من آلامنا سوى البلاشفة. وكانت حلب واحدة من المراكز النشيطة والقوية للحركة العمالية في النصف الأول من القرن العشرين.

محطات أخرى من التاريخ الحلبي

اشتعلت ثورة غاضبة في مدينة حلب سنوات 1819-1820 ضد الوالي العثماني خورشيد باشا كما تخبرنا الكتابات الكنسية «يوميات المطران الأرمني أبراهام كوبليان». وانتهت هذه الثورة بقصف المدينة بالمدافع وتدمير قسم منها. كما لعبت المدينة ونواحيها دوراً كبيراً في النضال الوطني ضد الأحلاف في خمسينات القرن الماضي.
وبين هذين التاريخين، توجد أحداث كثيرة ذكرنا بعضها أعلاه، وتشكل بمجموعها محصلة الذاكرة الحلبية وتراثها الوطني والاجتماعي، ذلك التراث الذي هو أحد جوانب الوزن الكبير لحلب في مستقبل البلاد كما في ماضي البلاد.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1028