فرانك هاردي وقصص الإضراب
في العام 1966، بدأ عمال وخدم المنازل وعائلاتهم من السكان الأصليين في محطة ويف هيل للماشية في أستراليا «جزر مضيق توريس» إضراباً لمدة تسع سنوات ضد ظروف العمل التي ترقى إلى العبودية. وساعد الكاتب الشيوعي فرانك هاردي، هؤلاء المضربين في سرد قصتهم للعالم.
وكتب هاردي تلك القصص عن سكان جزر مضيق توريس في استراليا بأسمائهم الحقيقية. ملتزماً بالتقاليد الأدبية الأسترالية في القصص التي كتبها عن الطبقة العاملة في أستراليا. وكان يعلم جيداً أن أستراليا الحقيقية كانت مكاناً عنصرياً بشكل لا يصدق.
كيف بدأ الإضراب؟
بعد وقت قصير من وصوله إلى داروين، أجرى هاردي اتصالات مع ديكستر دانيلز، أحد منظمي اتحاد عمال شمال أستراليا. كان دانيلز هو المنظم الوحيد لاتحاد السكان الأصليين في الإقليم الشمالي. وأخبر هاردي عن إضراب ويف هيل. وفي غضون ثلاثة أيام، وصل هاردي إلى معسكر المضربين.
بدأ الإضراب في عام 1966، عندما قاد فنسنت لينجياري، أحد كبار السن في منطقة غوريندجي، مئتين من السكان الأصليين، وعمال المنازل، وعائلاتهم من محطة الماشية في ويف هيل للإضراب.
وكانت المحطة، التي يملكها اللورد الإنجليزي سامويل فيستي تعمل على إجبار السكان الأصليين على العمل للحصول على حصص الإعاشة والمأوى منذ عام 1883، عندما تم تشغيل المحطة لأول مرة.
عبر مناطق الإقليم الشمالي، وحتى عندما كان العمال من السكان الأصليين يتقاضون أجوراً، كانت أدنى من الأجور التي يتقاضاها البيض. وفي كثير من الحالات، كانت الصناديق الاجتماعية تحتفظ بأجور عمال السكان الأصليين منذ قانون عام 1953.
كما دفعت الحكومة رسوم صيانة لأصحاب الأراضي الذين يعيشون في ممتلكاتهم من الاستغلال العبودي للسكان الأصليين. ونادراً ما استخدم ملاك الأراضي هذه الأموال لدفع رواتب عمال السكان الأصليين أو لتوفير الطعام والخدمات.
وفي مثل هذه الظروف فإن سكان هذه المنطقة لم يحصلوا على رواتبهم أبداً، بل دفعت الحكومة هذه الأموال إلى الحساب المصرفي لمحطة الماشية. وكان المتقاعدون أنفسهم يتلقون حصصاً ضئيلة من الطعام بلا راتب. وعانى المجتمع من مشاكل صحية خطيرة ناجمة عن سوء التغذية وعدم وجود الصرف الصحي.
معسكر المضربين
بعد الخروج من المحطة، أقام المضربون معسكراً على أراضيهم التقليدية في وايتي كريك، وطالبوا بظروف أفضل، وأجر متساوٍ، والحق الكامل في الأجور. كما طالبوا بحقوق الأرض. وعرفوا بأنهم سيحتاجون إلى المساعدة، فأرسلوا البرقيات إلى اتحاد العمال ومجلس الإقليم الشمالي لحقوق السكان الأصليين يناشدون فيه التضامن.
بعد وصول هاردي، اختاره السكان للتحدث نيابة عن الجميع، وفهم هاردي الإضراب على أنه مطالبة بحقوق العمال الأساسية. وبسبب معتقداته الشيوعية، شعر بمسؤولية دعم نضال أكثر الناس اضطهاداً في أستراليا.
ومن خلال سلسلة من المقالات، رفع هاردي الوعي العام بشأن الإضراب. واستجابت النقابات العمالية، ومعظمها من ملبورن وسيدني، لنداءات هاردي المباشرة من خلال التبرع بالأموال وتقديم شاحنة وتنظيم مقاطعة بضائع اللورد فيستي مالك المحطة. افترضت الحكومة والمالكين أن السكان لن يكونوا قادرين على البقاء إلى أجل غير مسمى. ولكن بفضل تضامن النقابيين والشيوعيين والطلاب، تمكنوا من الصمود في المعسكر.
وعلى الرغم من أن هاردي كان مراسلهم، إلا أنه لم يزعم أبداً أنه يتحدث نيابة عن شعب غوريندجي.
وشعر هاردي بأنه مضطر للتبرع بقدراته الأدبية وعلاقاته السياسية للمضربين، الذين لم يتمكنوا إلى حد كبير من الكتابة. يظهر احترام هاردي العميق لشعب غوريندجي بوضوح في فيلم وثائقي يعود لعام 1973، والذي أخرجه المخرج الإنجليزي جون غولدشميت. ويصور أحد المشاهد هاردي وشيوخ غوريندجي يناقشون كيفية تقديم مطالبهم في حقوق الأرض. ويحرص هاردي على التأكد من أن المضربين يفهمون - بشروطهم الخاصة - قرارهم بتقديم مطالبهم وعملية القيام بذلك.
وفي عام 1968، ساعدهم هاردي في الحصول على المنازل، لقد أرادوا تصميم وبناء مجموعة من المنازل التي تناسب أسلوب حياتهم. وكما قالوا في بداية الإضراب: نريد أن نعيش على أرضنا، وعلى طريقتنا.
عرف شعب المنطقة أن الأرض كانت في صميم قدرتهم على تحديد مصيرهم. عندما أثاروا مسألة حقوق الأرض لأول مرة مع هاردي: نحن هنا منذ وقت طويل قبلهم، فقط الحقوق في الأرض هي التي تسمح لهم باستعادة هويتهم الثقافية، والحصول على تقرير المصير من خلال التعليم والسكن، وضمان سلامة النساء في مجتمعهن وغير ذلك.
دعم الأصدقاء
جرى منع الصحفيين واليساريين من زيارة محميات السكان الأصليين إلا بإذن من مدير الرعاية الاجتماعية، ولكن هاردي استطاع الوصول إليهم بمساعدة صديقه جيفري الذي استضافه في منزله. وجيفري هو أحد السكان البيض في هذه المنطقة وأحد داعمي الإضراب.
حيث دعم جيفري المضربين من خلال التبرع بالأدوات، وفي عام 1967، من خلال كتابة مقال لصحيفة طلابية في ملبورن حول الإضراب. أدى المقال إلى مداهمة مكتب الصحيفة من قبل الفرع الخاص سيئ السمعة للشرطة السرية الأسترالية، منظمة المخابرات الأمنية الأسترالية (ASIO).
كما نشر هاردي كتاب «الأستراليون غير المحظوظين» عام 1972، وحقق الكتاب نجاحاً عند الجمهور الأسترالي، وحظي المضربون بتأييد واسع النطاق.
انتصر المضربون في النهاية، ورفضوا العمل مع المالك السابق مجدداً، وخططوا لبناء وتشغيل محطة الماشية الخاصة بهم. تعطلت هذه الخطط عندما اكتشفوا أن قوانين الإقليم الشمالي تتطلب من محطات الماشية أن يكون لها علامتها التجارية الخاصة للماشية وصك ملكية الأرض.
وأخيراً في العام 1975، حصل المضربون على جزء من الأرض، وصور الصحفيون لحظات الانتصار التي تعد واحدة من أكثر الصور شهرة في التاريخ الأسترالي.
خاض هاردي تلك المعركة، وكانت الشرطة تداهم مقرات الصحف التي تنشر مراسلاته عن الإضراب، كما منعت الحكومة كتبه، لكن الناس تولوا نشر تلك الكتب. وانتصر عمال محطة الماشية بعد الدعم الكبير القادم من الحزب الشيوعي والنقابات العمالية والحركة الطلابية والصحافة.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1022