انتفاضة غزة 1968
وراء الأسلاك الشائكة المضروبة حول قطاع غزة، نضالات شعبية واسعة بقيادة الجبهة الوطنية المتحدة ضد الاحتلال الصهيوني. هكذا كانت صورة غزة خلال انتفاضتها في أيار 1968.
وحدة المناضلين
منذ 15 أيار، أخذت وكالات الأنباء والإذاعات العالمية تنقل يومياً أخبار النضالات الجماهيرية الواسعة التي اجتاحت مدن القطاع، واشتركت فيها جماهير الشعب والطلبة، نساءً ورجالاً، والتي لا تزال مستمرة بأشكال مختلفة.
لقد جرت التظاهرات والإضرابات ضد قوى الاحتلال المجرمة بقيادة الجبهة الوطنية المتحدة التي تضم القوى الوطنية المختلفة، والشيوعيون في مقدمتهم.
حصيلة المعارك
كانت حصيلة المعارك البطولية التي خاضتها جماهير غزة:
إضراب عام بمناسبة 15 أيار استجابة لنداء الجبهة الوطنية المتحدة، واجهته سلطات الاحتلال بنهب المتاجر في شارع عمر المختار، ثم فرض حظر تجول لمدة 15 يوماً.
فرضت سلطات الاحتلال الصهيوني حاجزاً حول القطاع، ومنعت الدخول والخروج منه، وقطعت عنه الكهرباء وأسلاك الهاتف، وحجزت السيارات العامة والخاصة، وأوقفت الرسائل والبرقيات لإحكام عملية تطويق القطاع.
ردت جماهير القطاع بتظاهرات شعبية واسعة سقط خلالها أربع شهيدات من معسكر دير البلح و75 جريحاً من مختلف المعسكرات. كما اعتقل أكثر من مئتي معتقل من مناضلي الجبهة والحزب الشيوعي من مدينة غزة ومعسكر الشاطئ وخان يونس.
أضرم الطلاب والطالبات والمدرسون النيران في مناهج الدراسة «الإسرائيلية» التي جاءت بدلاً من المناهج العربية. وأقام الطلاب متاريسهم من مقاعد الدراسة ومن الألواح السوداء.
رفض موظفو الإدارة العربية- المصرية (أكثر من 1000 موظف من الفلسطينيين) التعاون مع سلطات الاحتلال، رغم تضورهم جوعاً هم وأسرهم، ورفضوا إغراءات الاحتلال بدفع رواتبهم لمدة عام كامل.
رفضت المجالس البلدية والقروية أن تقبل قرضاً من الاحتلال مقابل رهن ممتلكاتها، ورغم سطو الاحتلال على خزائنها وعدم قدرتها على دفع رواتب الفلسطينيين.
فشل مؤامرة ضم عمال الموانئ والبيارات والحرفيين الفلسطينيين إلى النقابات الصهيونية «الهستدروت» الذين انضموا إل متاريس المقاومة من رفح حتى بيت جالون.
كانت جريدة «المقاومة» ومنشورات الجبهة وجرائد الحائط هي الصحافة اليومية لجماهير القطاع.
لجأت سلطات الاحتلال إلى الأساليب النازية، وأخذت زوجات وأطفال وأمهات المناضلين الوطنيين الذين تطاردهم السلطات المحتلة كرهائن في السراديب والزنازين، وتعرضوا للتعذيب حتى الموت. مثل: عائلات المناضلين عبد الرحمن عوض الله وعبد الحي الحسيني وعمر عوض الله. وأسرت العشرات من الوطنين.
وعلى ضوء التقرير السياسي لجريدة «المقاومة» صوت الجبهة الوطنية المتحدة والتقرير السياسي للحزب الشيوعي الفلسطيني في قطاع غزة، فقد أطاحت الانتفاضة الشعبية بمؤامرة الحكم الذاتي ومؤامرة تهجير سكان غزة. وأعلنت إفلاس مخطط الإرهاب الصهيوني ضد الحركة الجماهيرية والحزب الشيوعي والجبهة الوطنية المتحدة.
أثبتت الانتفاضة الجماهيرية الأخيرة التي سقط فيها عدد من مناضلي ومناضلات الحزب والجبهة عن فشل سياسة تهويد القطاع. رغم المذابح ونسف بيوت الوطنيين، وحرث معسكرات اللاجئين بالتراكتورات، كما حدث في معسكر جباليا، وتحويل معسكر عتليت إلى معسكر بوغنوالد لاعتقال أعضاء الحزب والجبهة، وتحويل سجن غزة العسكري إلى سجن لاعتقال النساء والأطفال وعمليات السطو على بيوت المواطنين، ورغم تحطيم وتخريب محصول الحمضيات أساس اقتصاد غزة.
إن التظاهرات الأخيرة- التي انطلقت من شارع عمر المختار في غزة وشوارع معسكر الشاطئ ومعسكر دير البلح والنصيرات والمغازي والبريج وخان يونس ورفح وجباليا- أقام فيها الطلاب والطالبات المتاريس من المقاعد الدراسية قد حطمت سياج الحصار الصهيوني.
نقلاً عن جريدة نضال الشعب العدد 107 أواسط حزيران 1968، بقلم أبي توفيق.
تعليق المحرر
بعد احتلال قطاع غزة عام 1967، تصاعد النضال الجماهيري ضد المحتلين، واتخذ شكل الإضرابات والحركات الشعبية وشكل المقاومة الشعبية المسلحة، وتصاعدت الحركة الفدائية في قطاع غزة عام 1968 كباقي مناطق فلسطين. في موجة جماهيرية شملت البلدان العربية المجاورة حتى نهاية عام 1970 وخاصة في الأردن.
ورغم أن هذه الحركة قد حدثت في فترة تراجع الحركة الثورية عالمياً، إلّا أنها حملت زخماً عالياً. وهذا هو أحد الدروس الأساسية التي يجب تعلمها. أما اليوم، فالصورة مختلفة، لأن المرحلة هي مرحلة صعود الحركات الشعبية، مرحلة تحقيق الانتصارات. فإذا كانت الحركة التي تصاعدت منذ 1968 في فترة التراجع العام قد أوجعت الاحتلال الصهيوني وأفشلت مخططاته رغم الإرهاب الدموي، فإن الانتفاضة الحالية التي هي أكثر تطوراً بالمعنى التاريخي، فعلت الكثير.
منذ حوالي 100 عام وحتى اليوم، عرفت مدينة غزة محطات تاريخية مهمة شكلت جزءاً من تراثها الثوري حتى اليوم، ومن هذه المحطات:
دور مدينة غزة خلال الثورة الفلسطينية 1936-1939.
غزة هي المدنية التي عقدت فيها الاجتماعات الواسعة لمناهضة الفاشية، ومناهضة الاستعمار والإمبريالية في الثلاثينات والأربعينات.
غزة هي المدينة التي قاومت النكبة بقيادة فايز درويش الوحيدي عام 1948.
غزة هي المدينة التي انتفضت عام 1955 وأفشلت مشروع التوطين.
غزة هي المدينة التي قال عنها الاحتلال عام 1968: نحن نحكمها نهاراً وقوات التحرير الشعبية «إحدى فصائل المقاومة الفدائية» تحكمها ليلاً.
غزة هي مدينة وحدة المناضلين «الجبهة الوطنية المتحدة» سنوات الستينات.
غزة هي معقل قوات الأنصار الفدائية بقيادة الشهيد عمر عوض الله «الحزب الشيوعي الفلسطيني في قطاع غزة»، والتي نفذت أكثر من 554 عملية بين عامي 1968-1970.
غزة هي المدينة التي نفذ فيها فدائيو الجبهة الشعبية مئات العمليات بين عامي 1968-1970. مثل: معركة المغازي.
اشتعلت الانتفاضة الفلسطينية الأولى «انتفاضة الحجارة» في قطاع غزة، وامتدت إلى باقي مناطق فلسطين عام 1987، واستمرت حتى عام 1991.
لبّت مدينة غزة نداء الانتفاضة الفلسطينية الثانية في أيلول 2000.
تصدت غزة للإرهاب الصهيوني عدة مرات، مثل: التصدي لعدوان شتاء 2008-2009.
وفي هذه الأيام، حيث حلت الذكرى الـ 53 لانتفاضة غزة، لبى الغزاويون نداء فلسطين. كما لبت فلسطين نداء فلسطين.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1018