ميسلون الدور الوطني والاستمرارية التاريخية
مثلت معركة ميسلون محطة لتاريخ وطني طويل صنعه السوريون منذ يوم الرابع والعشرين من تموز 1920، إذ لم تنته القصة هناك قرب خان ميسلون قبل 100 عام، بل امتدت من ذاك الموقع الجغرافي الصغير إلى العديد من بقاع المنطقة خلال العقود الطويلة التي تلت حدوث المعركة. وتعتبر القضية الفلسطينية من أهم محطات هذا التاريخ الوطني الطويل الذي بدأته معركة ميسلون، وأطلقت استمراريته أيضاً خلال عقود.
دور مستمر
يقول الدكتور أحمد قدري في شهادته عن ميسلون: «لم يعد للسوريين نجاة إلا بالتراجع، لكن العظمة أبى إلّا أن يثبت للمقاومة، واقفاً بشرف على العمليات العسكرية، وبيده منظاره، إلى أن استشهد، وتراجعت عندئذ القوات السورية، بعد أن صمدت نحو ثلاث ساعات». وقد ألقى الكثيرون باللائمة على الحكومة لإسراعها بتسريح الجيش، تنفيذاً لمطالب الجنرال غورو.
انتصر يوسف العظمة لاحقاً في الثورة السورية الكبرى وانتفاضة الجلاء، إذ لم تهدأ الثورات السورية ضد الاستعمار منذ معركة ميسلون حتى عام 1927، حيث استشهد آلاف السوريين في ساحات المعارك والمظاهرات والإضرابات والإعدامات بلا محاكمة والاغتيالات وإطلاق الرصاص على الفلاحين، وقصف خيم البدو والقصف العنيف للمدن بالمدفعية والطيران إضافة إلى شهداء التعذيب في السجون والمنافي وشهداء الجوع والمجاعات.
ويذكر أمين سعيد عن الثورة السورية الكبرى، أنه «يقدر عدد الذين ماتوا أو قتلوا أثناء الثورة، أو بسبب أعمال الحريق والتدمير، من النساء والأطفال والشيوخ والرجال بخمسة عشر ألفاً، يُضاف إليهم مثلهم استشهدوا في الحروب والمعارك التي دارت مع الجيش الفرنسي». وقدر الصحفي اللبناني أمين الأعور شهداء سورية من معركة ميسلون وحتى يوم الجلاء بحوالي 100 ألف شهيد.
وهكذا طبعت بلادنا بطابع معركة ميسلون منذ 100 عام حتى اليوم، وسيعيش السوريون الـ 100 عاماً القادمة، وهم ورثة حقيقيون لتراث وزير الحربية السوري. تماماً كما عاشوا خلال قرن كامل مضى في محطات تاريخية كبرى تُبقي رأس شعبنا مرفوعاً حتى اليوم. ونستطيع ذكر بعض الأمثلة من محطات التاريخ حول استمرارية التاريخ الوطني منذ ميسلون، مثل: ثورة فلسطين 1936، ودعم وتأييد نضال الشعوب العربية والمقاومة الفلسطينية ونضال شعوب المستعمرات.
ثورة فلسطين
اندلعت ثورة كبرى في فلسطين ضد الاستعمار البريطاني والصهيونية بين عامي 1936-1939، وفي تلك الثورة الفلسطينية، قاتل واستشهد المتطوعون السوريون.
كانت إضرابات الطبقة العاملة الفلسطينية بين عامي 1933-1934 مقدمة للثورة الفلسطينية، بينما كانت انتفاضة الشيخ عز الدين القسام في حيفا وجنين عام 1935 الشرارة الأولى للثورة. استشهد الشيخ في معركة يعبد مع الاستعمار الإنكليزي بتاريخ 20 تشرين الثاني 1935. وكان الشيخ القسام قد قاتل في صفوف الثورة الليبية ضد الاستعمار الإيطالي عام 1911 إلى جانب عمر المختار، ثم رجع إلى سورية وحرض الفلاحين للثورة ضد الإقطاع. وقاد إحدى فصائل الثوار ضد الاستعمار الفرنسي في نواحي جبلة والحفة بين عامي 1919-1920.
استشهد القائد سعيد العاص «من حماة» في معركة الخضر 1936 في فلسطين، وشارك سابقاً في القتال إلى جانب الشيخ صالح العلي وإبراهيم هنانو في الساحل السوري ونواحي حلب، إضافة إلى القتال في صفوف الثورة السورية الكبرى في الغوطة وجبل العرب.
وعبرت مجموعات السوريين إلى فلسطين للمشاركة في ثورة 1936، مثل: الضابط فوزي القاوقجي «من حماة» الذي عبر على رأس مجموعة كبيرة من المتطوعين السوريين. إضافة إلى مجموعات الشيخ محمد الأشمر من دمشق ومحيطها، والذي قاد مجموعات الثوار في نواحي نابلس وطولكرم وخاض معارك بلعا الثانية وجبع وبيت جبرين، ويذكر أن الشيخ الأشمر قد خاض معركة ميسلون وثورة حوران، وهو من قادة الثورة السورية الكبرى وأول رئيس لحركة أنصار السلم في سورية. كما دعم السوريون هذه الثورة بالمال والسلاح والتبرعات.
دفاعاً عن الشعوب العربية
سنة 1956، وأثناء العدوان الثلاثي على مصر بعد تأميم قناة السويس، تطوع العديد من السوريين للقتال في صفوف المقاومة الشعبية، وشارك العديد منهم في معارك الدفاع عن بورسعيد وغيرها من المدن المصرية. كما نسفت سورية أنابيب النفط التي تعبر سورية والمملوكة لشركة نفط العراق الاستعمارية، لقطع الإمدادات عن المعتدين، وشهدت سورية الإضرابات والمسيرات التضامنية مع مصر.
ولعل أبرز مشاركة سورية كانت مشاركة الضابط الفدائي السوري جول جمال في الدفاع عن مصر، وتفجيره للبارجة الفرنسية جان دارك بزورقه الصغير قبالة شواطئ بورسعيد. ودعم السوريون هبة الشعب الأردني سنوات 1956-1957. وكانت سورية من أوائل البلدان التي تضامنت مع نضال شعوب المستعمرات من أجل تحررها في تونس والجزائر وإندونيسيا وفيتنام وغيرها.
المقاومة الفلسطينية
شارك آلاف السوريين بالقتال ضد الاحتلال الصهيوني في فلسطين المحتلة وفي الجولان المحتل. واستشهد المئات منهم في تلك السنوات وهم يقاتلون الاحتلال. ومن معارك سنوات 1948-1951-1955، إلى التطوع في صفوف المقاومة الفلسطينية في أثناء معارك الأغوار الأردنية بين عامي 1968-1970، والمشاركة في التصدي للغزو الصهيوني على لبنان والدفاع عن بيروت عام 1982. وفي كل تلك المحطات الوطنية التاريخية، وضع السوريون بصماتهم في هذا الطريق، ولم يكتب هذا التاريخ كما يجب حتى اليوم، رغم أن القضية الفلسطينية كانت القضية الوطنية الأولى في وجدان السوريين.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 979