رسائل سعدالله ونوس
يقول سعدالله ونوس في مسرحية «الملك هو الملك»:
في لحظات التعاسة فقط، يشعر الإنسان أنه لم يعد قادراً على الاحتمال. لكن قدرته على الاحتمال لا تنفذ. هو يتحمل أي جحيم، لأنه يعرف - ولو بالفطرة- أن الشقاء لا يمكن أن يستمر.
القمع المخملي
أنا اعتقد أن مسألة القمع أصبحت أيضاً مركبة، فحين نقول: القمع، ينبغي ألّا نفهم من ذلك فقط السجون والبوليسية والمنع ... إلخ. هناك قمع مخملي، هناك قمع بقفازات ملونة وناعمة، هذا القمع يتمثل أولاً في تهميش الثقافة.
هناك جهود كبيرة وواسعة تبذل منذ بداية السبعينات لتهميش الثقافة وتهميش المثقفين وإقصاءهم عن دورهم الطليعي الذي لعبوه منذ منتصف القرن التاسع عشر، أي منذ بداية تاريخنا الحديث، وأنت لو حاولت أن تلم بهذا التاريخ الحديث، فإنك ستجد أن في مقدمة هذا التاريخ كانت هناك دائماً مجموعات من المثقفين التي تحمل مشاريع تنوير ومشاريع نهضوية والتي حاولت فعلاً أن تبدل البنى الفعلية لهذا المجتمع.
منذ بداية السبعينات بدأت محاولة تهميش المثقف وتهميش المثقفين وتم ذلك عبر زيادة منابر النشر ومحاولة التدجين والاستيعاب وعبر محاولة التعويم، بمعنى حين تتعدد وتتكاثر منابر النشر المتشابهة، فأنك تفقد الكاتب، الذي تجبره الحياة اليومية على أن يكتب هنا وهناك، فإنك نفقد هذا الكاتب صوته وقدرته على التأثير وريادته.
الثقافة الوطنية والوعي التاريخي
إن المدجنة الحقيقية التي تفرّخ الجماعات الإسلامية هي الأنظمة العسكرية والمستبدة. فهذه الأنظمة التي خنقت روح الشعب وأغرقته بالشعارات وبالرعب، وفاقمت مشكلاته بالتبعية والنهب، هي التي تدفع هذه الأجيال الممزقة والمهمشة إلى حلول طوباوية، وإلى ردود فعل يائسة.
فحين يُخيّر إنسان مقموع ومنهوب بين إله أرضي يقمعه وينهبه ويفرض عليه فوق ذلك عبادته، وبين إله ديني يعده بالخلاص والمثوبة، فإن من الطبيعي أن يفرّ من زنازين الأرض إلى فضاء السماوات.
وأنا أدرك المغزى الاحتجاجي الذي ينطوي عليه ظهور هذه الجماعات، لكن فقر وعيها وأساليب العمل التي يمليها هذا الوعي الفقير، يجعل هذا الاحتجاج خلبياً؛ ويُعيد إنتاج الواقع الرثّ بدلاً من أن يغيره.
فإذا حددنا أن أبرز بواعث هذا الاحتجاج هو استبداد السلطة من جهة، والتبعية التي تخترق كل مستويات المجتمع من جهة أخرى، فإن مناهج هذه الجماعات في الفكر والعمل، إنما تقوي هذين الوضعين، وتتقاطع معهما.
أهم وسائل مقاومتي
منذ أربعة أعوام وانا أقاوم السرطان، وكانت الكتابة، وللمسرح بالذات، أهم وسائل مقاومتي، خلال هذه السنوات الأربع، كتبت وبصورة محمومة، أعمالاً مسرحية عديدة، ولكن ذات يوم، سئلت وبما يشبه اللوم، ولما هذا الإصرار على كتابة المسرحيات في الوقت الذي ينحس فيه المسرح ويكاد يختفي من حياتنا؟
أن التخلي عن الكتابة للمسرح وأنا على تخوم العمر، هو جحود وخيانة لا تحتملهما روحي، وقد يعجلان برحيلي، إن المسرح في الواقع، هو أكثر من فن، أنه ظاهرة حضارية مركبة، سيزداد العالم وحشة وقبحاً وفقراً لو أضاعها وافتقر إليها، وهما بدا الحصار شديداً والواقع محبطاً، فإني متيقن، أن تضافر الإرادات الطيبة، وعلى مستوى العالم، سيحمي الثقافة، ويعيد للمسرح ألقه ومكانته، إننا محكومون بالأمل، وما يحدث اليوم، لا يمكن أن يكون نهاية التاريخ.
اقتباسات
إن التجارة بين الأقوياء والضعفاء ليست بيعا وشراء. بل هل حرب وعدوان.
ما أتعس حالنا إذا كان علماء الأمة يسمون الاجتهاد والعلم كفراً.
المرض يكسر الكبرياء وهذا أقسى ما فيه.
المسموح على قدر الممنوع.
المقارع لا تقوّم إلا العبيد، أما الاحرار فإنهم أقوم من المقارع.
حتى لو تغير الملك. فأن الطريقة الوحيدة الممكنة أمام الملك هي الإرهاب، والمزيد من الإرهاب.
على الملك أن يغير لهجته بين الحين والآخر إذا كان لا يريد أن يلتهم الخفاء عرشه.
في الأنظمة التنكرية تلك هي القاعدة الجوهرية «أعطني تاجاً ورداء أُعطيك ملكاً».
ما من ملك يتخلى عن عرشه ...إلا اقتلاعاً.
يراودني الأمل بأننا نقاتل لكي نبتكر نظاماً جديداً، لا لنحافظ على نظام نعرف جميعاً انه تداعى وانهار.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 959