رسائل سعدالله ونوس
يقول سعدالله ونوس في مسرحية «الملك هو الملك»:
في لحظات التعاسة فقط، يشعر الإنسان أنه لم يعد قادراً على الاحتمال. لكن قدرته على الاحتمال لا تنفذ. هو يتحمل أي جحيم، لأنه يعرف - ولو بالفطرة- أن الشقاء لا يمكن أن يستمر.
يقول سعدالله ونوس في مسرحية «الملك هو الملك»:
في لحظات التعاسة فقط، يشعر الإنسان أنه لم يعد قادراً على الاحتمال. لكن قدرته على الاحتمال لا تنفذ. هو يتحمل أي جحيم، لأنه يعرف - ولو بالفطرة- أن الشقاء لا يمكن أن يستمر.
«في قديم... قديم الزمان، كانت هنالك جماعة من البشر تعيش حياة بسيطة متناسقة كنشيد أو أغنية. أفرادها متساوون تساوي الأحرار، لا العبيد. يعملون في أرضهم المشتركة كاليد الواحدة. ويتقاسمون الخير كأفراد العائلة. يأكلون من مرقٍ واحد، ولا يرتدون من الكساء ما يزيد عن الحاجة أو الضرورة. في قديم... قديم الزمان، كانت وجوه البشر صافية، وعيونهم شفافة. الباطن لديهم هو الظاهر، لا التواء ولا بغضاء ولا حسد، والحياة بسيطة متناغمة تجري كالجدول العذب أو كالأغنية... وذات يوم... وصار اليوم تاريخاً وبدءاً. دبَّ النشاز في حياة تلك الجماعة المتظافرة. انشقَّ عنها واحدٌ من أفرادها. كان أقوى... كان أدهى، لا يهم، لكنه مزق أملاك الجماعة واستأثر بالحصة الكبرى. انفصل عن الآخرين، وتميَّز، ارتدى كساءً زاهياً. بدل هيئته ووجهه، وتنكر. يومها ظهر المالك، وكانت أولى حالات التنكر. ثم تزين المالك أكثر وأكثر بالأبهة والثروة... تحوَّل المالك ملكاً، وهو أقصى حالات التنكر».
تمرّ اليوم الذكرى العشرين لرحيل المبدع المسرحي السوري، سعد الله ونوس.
«نحن محكومون بالأمل» عبارة أطلقها الراحل سعد الله ونوس رائد المسرح في سورية وانتشرت هذه الكلمات معبرة عن معاناته الكبيرة منذ أطلقها حتى اليوم ، صارع الموت والمرض ولكنه أطلق هذه الكلمات لتعبر عن مدى حبه للحياة، وعن ابداع نابع من إنسان عاش المسرح والمسرح عاش فيه ،ونحن اليوم في ذكرى رحيله ، بقي قلبه معلقا بخشبة المسرح ، حتى آخر لحظات حياته ، جسدت نصوصه على الكثير من المسارح العربية تركت صدى كبيرا في المشهد الثقافي .
بعدما خرج من بيروت، في خريف 1982، ومرّ على أكثر من بلد، انتهى إلى دمشق، وبدأ يتعرّف إلى أحيائها، وحلم بأن يكون فيها شيء من القاهرة. استأنف عاداته التي كان يتصدّرها: التجوال في شوارع المدينة، والتعرّف إلى مقاهيها وحدائقها ومطاعمها، وبحث طويلاً عن مكتبات تبيع الكتب الصادرة باللغة الإنكليزية.
“أنا دون كيشوت المسرح” يقول جواد الأسدي من غير تردد ثم يستدرك مفسرا “بمعنى إحالة الإحباط إلى فعل ورغبة بالحركة من دون كلل أو ملل” ليصل بعدها إلى خلاصة سيرته في الفن التي تهب حياته معنى “لأن المسرح هو المساحة الوحيدة المتاحة لي وللممثلين لنقول الأشياء التي نريدها دون مكياج أو أقنعة”.
يشكل سعد الله ونوس «1941- 1997» عتبة مهمة في قراءة المدينة العربية المعاصرة، فنصوصه التي استلهمها من التراث العربي، وخصوصاً كتاب الليالي العربية «ألف ليلة وليلة» كانت جميعها تدور أحداثها في مدينة بغداد، على نحو «مغامرة رأس المملوك جابر» و«الملك هو الملك» حيث تحضر المدينة كفضاء للدسائس وحفلات التنكر، وسقوط الأقنعة، وقطع الرؤوس، في حقبة تاريخية وصفها المؤرخون بزمن «الشطار والعيارين» وتحالف السلطة مع عيونها وأصحاب شرطتها وجلاديها على الشعب ومصائره؛