مقاماتٌ في الحُبِّ والحرب

مقاماتٌ في الحُبِّ والحرب

مقاماتٌ لونية، ومقامات حركية تعزفها ريشة الفنان التشكيلي أنور رحبي كمقامات موسيقية كسحبة نايٍ لراعٍ، ونقرات أوتارٍ، لكن بألوانٍ حارة غالباً على قيثارة أورنينا ربّة الغناء في ماري، وتنساب كانسياب الفرات بزرقته وتردد صداها البادية، فتبعث الدفء والسلام وتختفي الحرب بكل ويلاتها.!
الفنان أنور الرحبي من دير الزور مواليد 1957 درس في كلية الآداب قسم التاريخ، وأقام في دمشق، عمل في الإعلام والنقد والبحوث التشكيلية، له مؤلفات عديدة منها عن الجسد في التشكيل السوري وغرافيك وشعر وعن حياة الدكتور حيدر اليازجي والدكتور علي سالم خالد ومقامات في التشكيل، وشارك في العديد من المعارض والفعاليات الدولية والعربية والمحلية، وله حوالي 15 معرضاً فردياً.

مقاماتُ الحب والحرب يتناغم فيها اللون والخط والحركة، كنسيجٍ شرقيٍ في لوحاتٍ موشاة كـ (الهبرية) التي ترتديها المرأة الفراتية على رأسها فكأنها صلة الوصل بين الأرض والسماء، فكانت عناوين ثقافته الموروثة ولغته البصرية الخاصة.!
مقاماتٌ في الحُبَّ والحرب..
تلك هي الحكاية التي تتناقلها الأجيال في الشرق العظيم الذي تمازجت فيه الشعوب بمعاناتها وأساطيرها، وآخر محطةٍ لها تجسدت في نيّفٍ وعشرين لوحةً مختلفة الأحجام لأنور الرحبي، قاسمها المشترك: أشكال البيوت المتنوعة والمتراكبة، وأجساد جموع الناس والمرأة خاصةً، واللون الأحمر بدرجاته وتمازجاته كرمزٍ للحرب، واللون الأبيض كرمزٍ للحب والسلام، وبقي اللون الأزرق تعبيراً عن الفرات منبته وبيئته، فكان هو والمرأة رمزين للخصب.
عنوان المعرض الذي افتتح في صالة ألف نون في دمشق يوم السبت 20/10/ 2018 يُوحي بدلالات التنوع في التعبير عن أشكال الحبّ والحرب، ورغم أنه لم يطلق أسماءً على اللوحات، واعتبرها لوحةً واحدة، وفي كل لوحة تجد نفسك أيضاً أمام عدة لوحات، لذا يصعب عكس مضمونها دون مشاهدتها، ويمكن الإشارة إلى مضمون بعض اللوحات عبر دلالات الشكل والحركة واللون والخط.
تعددت الرموز والمعاني
بداية، في مقاماته لم يلجأ الفنان أنور الرحبي للأشكال المعبرة عن الحب والحرب بشكلٍ مباشر، وإنما برموزها كالبيوت والتجمعات البشرية والأدوات الموسيقية تعبيراً عن المقامات الغنائية، مبتعداً عن وحشية الحرب، ومتمسكاً بإنسانية الإنسان بمشاعره السامية، وأسماها الحب للحياة والأرض والمرأة، وهذه القضية استخدمها بابلو بيكاسو في لوحته الغرنيكا عن مآسي الحرب الأهلية في إسبانيا.
اللوحة الأولى: تشابك البيوت الشعبية بأشكالها المختلفة، والتقاء النساء بحركة أجسادٍ عامة ومتعددة، ودون ملامح واضحة، مؤطرة بخطوطٍ غرافيكية سوداء محددة للحركة، مما يعكس تنوع المجتمع والترابط والتعاطف بين الناس، في مواجهة الأبواب المغلقة والنوافذ المعتمة تعبيراً عما تسببه الحرب.
اللوحة الثانية: البيوت المتراكبة والمتشابكة والمتنوعة والجموع ذاتها بحركة أجسادٍ مختلفة باللون لكن يكسر ذلك كله سلّماً يستند على البيوت والأجساد تتربع على رأسه امرأة على رأسها تاج وكأنها عشتار، ويكلل اللوحة اللون الأبيض يتوسطه قمرٌ بعيد، كتعبير عن الفضاء المفتوح على الأمل والحب.
اللوحة الثالثة: تمثل امرأة بحركة انحناء للرأس وتمسك بحمامةٍ بيضاء ترقد على رأسها باستكانة واطمئنان، وفي الوقت ذاته مستعدة للتحليق والخلفية عدة أشكال لجموع بشرية ووجوه دون ملامح، ووضوح وجه المرأة مما يعكس الحرب والحب والسلام في الوقت ذاته، يغلب على اللوحة اللون الأحمر وتبرز الزخرفة بخطوط الغرافيك غير المنتظمة باللون الأسود لغطاء رأس المرأة ودلالة اللون والخطوط غير المنتظمة تعبر عن الحرب وما يرافقها من فوضى، لكن يبقى الأفق مفتوحاً من خلال مساراتٍ متعددة باللون الرمادي بين رموز الخلفية من جهة واللون الأزرق المنحدر من يسار اللوحة كانسياب نهر الفرات.