سنوات أيامها من نار!
تركت الأفكار الاشتراكية بصماتها في الحياة الثقافية للسوريين خلال القرن العشرين، ليس عند الشيوعيين وحدهم، بل في أهم المحطات الثقافية التي شهدتها البلاد على الصعيدين الوطني والمحلي. عمر تلك الأفكار في هذه اللحظة بالذات 101 عاماً بعد ثورة أكتوبر، و94 عاماً بعد تأسيس حزب الشيوعيين. وتشكل بمجموعها عشرات الأعوام من العمل.
لا يمكن حصر كل تلك البصمات، ونستطيع تقديم بعض الأمثلة، إذ تقدم مذكرات «فارس زرزور» الصادرة في التسعينات صوراً حيةً عن البؤس الذي عاشه أبناء الريف الجزراوي نهاية الأربعينات، ولم يختلف وصفه لحياة الفلاحين عن قصائد معاصريه «جكرخوين» و«قدري جان»، وكذلك كتابات محمد الفراتي وعبد القادر عياش في دير الزور.
أما في المسرح السوري، فقد تأثرت أعمال فواز الساجر وسعدالله ونوس وفيصل الراشد وغيرهم بأفكار العدالة الاجتماعية، وظهرت على يدهم تجارب المسرح الفقير ومسرح الشوارع والمسرح التجريبي. ونشطت حركة ترجمة الأدب التقدمي العالمي في سورية منذ الخمسينات، وكانت رواية «كيف سقينا الفولاذ» لنيكولاي أوستروفسكي من أوائل الروايات المترجمة التي لعبت روابط واتحادات الكتاب ومجلة «الآداب الأجنبية» دوراً مهماً في نشرها، وترك الأديب عبد المعين الملوحي حوالي 300 مؤلف، نصفها في ترجمة الآداب الفيتنامية والصينية والسوفييتية.
حملت روايات حنا مينه الواقعية رائحة التراث المحلي وحياة البحارة في اللاذقية وعمال الريجي والميناء من جهة مثل: روايات «حكاية بحار» و«الياطر» و«نهاية رجل شجاع» و«الشراع والعاصفة»، ومن جهة أخرى تحدث عن صور من النضال الوطني والطبقي في الساحل السوري. ومن أشهر رواد القصة القصيرة «سعيد حورانية» الذي جمع في مجموعته «شتاء قاس آخر» بين الآراء الفنية الجديدة ولغة أدبية مسبوكة بعناية في تصوير الواقع الاجتماعي وتقديم الاحتجاج ضده ورفضه.
هي سنوات أيامها من نار، لتراث واسع انتشر في ذاكرة الناس، تراث يصر اليوم على المضي قدماً نحو المستقبل، لنحت بصمات جديدة في الحياة الثقافية للسوريين. يمضي قدماً بجزئه القابل للحياة، ويفتح الباب واسعاً أمام الجديد في الحاضر والمستقبل!